صخرة بيت المقدس (بين اليهوديّة والإسلام) – فوزي حنا

تلتقي الدّيانتان، اليهوديّة والإسلام، في أمور كثيرة، منها قدسيّة صخرة بيت المقدس ومكانتها. يؤمن اليهود انّها مركز الدّنيا وبوّابة السّماء، وهي المكان الذي اراه الله لإبراهيم ليقدّم له قربانًا، كما جاء في سفر التكوين 22 (خذ إبنك وحيدك الذي تحبّه إسحق وامضِ إلى أرض الموريّا وأصعِده هناك محرقةعلى أحد الجبال التي اريك).وهي حجر الأساس (إيڤن هشتيا)، فقد أنزلها الله وعليها بنى الأرض، فصارت قبلتهم، وإليها شدّوا الرّحال في مواسم حجّهم.يقول الرابي شمعون بار يوحاي (رشبي) في كتاب (هزوهر) : لم يُخلَق العالم حتّى أخذ الرّبّ حجرًا اسمه إيڤن هشتيا وألقاه في الأعماق إلى حيث ثبت من فوق إلى أسفل، ومنه اتّسع العالم، وهي النقطة المركزيّة للعالم، وفي هذه البقعة وقف قدس الأقداس.ويؤمنون أن عليها قدّم آدم وقابيل وهابيل ونوح وإبراهيم قرابينهم، وقالوا إنّ هناك أورشليم أخرى نقيّة ستنزل من السّماء في آخر الأيّام لتحلّ محلّ اورشليم الخاطئة المدمّرة، وهنا ستكون الدّينونة، كما جاء في سفر أشعيا 2، وتؤكّد رؤيا يوحنّا 3 ذلك : وأنقش فيه اسم إلهي واسم اورشليم الجديدة التي تنزل من السماء من عند ربّي. إضافة لكلّ هذا فهي مصدر الماء اي مصدر الحياة، فالماء النابع من تحتها من مياه الجنّة، لذا اعتبروا ماء عين سلوان مقدّسًا، تطهّروا به قبل دخولهم هيكلهم وبه غسلوا الصخرة استعدادًا لمواسمهم.وتحت الصخرة في مغارة الارواح جعلوا قدس أقداسهم وفيها تابوت العهد (أرون هبريت) الذي وضع فيه الواح الوصايا، (الخروج 25).وفي هذه المغارة صلّى الكاهن الاعظم وناجى ربّه وسُمِع نداؤه، فهنا وقف زكريّا بين يديّ الله طالبًا ان يكون له ولد، وتحقّق ذلك. أمّا الإسلام، فبالإضافة لاحترامه لمن سبق من الانبياء ومواقعهم وتراثهم، أضيفت لهذه الصخرة قيمة إضافيّة بتشرّفها بوصول النبي محمّد (ص) إليها في ليلة الإسراء ومنها عُرِج به إلى السّماء، (سبحان الذي اسرى بعبده ليلًا من المسجد الحرام الذي باركنا خوله لنريه من آياتنا إنّه السّميع البصير – سورة الإسراء 1)، وهنا امّ بالانبياء، وهنا فُرِضت عليه وعلى أتباعه الصلاة، وقال (ص) : (صلّيت ليلة اسري بي في مقدّم المسجد ثمّ دخلتُ الصّخرة)،  وايضًا (فلمّا دخلتُ المسجد إذا انا بالانبياء والمرسلين قد حّشروا إليّ من قبورهم).فصارت الصخرة قبلةً للمسلمين لنحو 17 شهرًا إلى أن نزلت الآية 144 من سورة البقرة التي تقول (قد نرى تقلّب وجهك في السّماء فلنولّينّك قبلة ترضاها فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطره)، وهذا التحوّل لم يُنقِص من قيمة هذه الصخرة، فبقيت الصلاة في محيطها تساوي خمسمائة صلاة، وظلّت سيّد الصّخور، (سيّد البقاع بيت المقدس وسيّد الصخور صخرة بيت المقدس – حديث شريف، رواه علي بن ابي طالب) ، وعن النبي (ص) قال : الجنّة في السماء السابعة بميزان بيت المقدس، لو وقع حجر لوقع على صخرة بيت المقدس – رواه كعب الأحبار.وروى عبادة بن الصامت حديثًا شريفًا آخر (صخرة بيت المقدس على نخلة والنخلة على نهر من انهار الجنّة).لهذا اعتبرت مياه سلوان من مياه الجنّة، فيها قال أبو العلاء المعرّي :لعين سلوان التي في قدسهاطعم يوهم انّه من زمزمِويروي محمّد عبد الوهّاب المكناسي أنّ هنديًّا سقط قدحه في زمزم ليجده بعد حين في سلوان. وحكاية اخرى يرويها الحنبلي ان رجلًا اسمه شريك بن حيان من بني تميم، سقط دلوه في بئر قرب الصخرة فنزل ليجد بابًا يوصل إلى الجنّة وحين خرج لم يصدّقه احد سوى عمر بن الخطّاب، الذي قال : سمعت رسول الله (ص) يقول : ليدخلنّ الجنّة رجل من امّتي يمشي على رجليه وهو حيّ.

Post Tags:

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*
*