لجنة الدّفاع عن الأراضي العربيّة بقلم اسكندر عمل
- by منصة الراي
- September 11, 2017
- 0
- 2353  Views
- 0 Shares
حنّا نقّارة. لم يكتفِ بدوره في المحاكم بل كان في قيادة الحملة الإعلاميّة لنشر حقائق الهجمة السّلطويّة على الأراضي العربيّة
في العام 1982 قام الجيش الاسرائيليّ بعدوان غاشم على لبنان، ووقفت كل الأحزاب في الكنيست الإسرائيليّ إلى جانب هذا العدوان، ماعدا الجبهة ونوّابها. نظّمت الجبهة والحزب مظاهرات جبّارة، كانت أبرزها مظاهرة الألوف في مدينة حيفا بعد مجزرة صبرا وشاتيلا. احتشد الآلاف في وادي النّسناس وبدأت المظاهرة تقدُّمها باتّجاه جامع الاستقلال شرق حيفا وانضمّت إليها الألوف المؤلّفة في الطّريق
من المعروف أنّ المشروع الصّهيونيّ للاستيلاء على الأراضي العربيّة قد بدأ في فترة الانتداب البريطانيّ، وكان الأخير هو العنصر المساعد بجيشه وشرطته لتنفيذ هذا المخطّط، وقد استولى على ما يقارب 10% من الأراضي. وبعد النّكبة بدأت السّلطات الإسرائيليّة بمصادرة الأراضي العربيّة عن طريق قوانين جائرة سنّتها ومنها على سبيل المثال، قانون أنظمة الطّوارئ لعام 1949 الّذي وضعت بموجبه يدها على ممتلكات الّلاجئين العرب المشرّدين، إذ أعلنت مناطق شاسعة مناطق مغلقة لا يحقّ تواجد المواطنين العرب فيها، وشملت هذه المناطق قرى أُجلِيَ أهلها وأضحوا لاجئين داخليّين كالغابسيّة والمجيدل ومعلول والدّامون وميعار وإقرث وبرعم وغيرها. وفي العام 1950 أصدرت الحكومة قانون أملاك الغائبين وبموجبه استولت السّلطات على أملاك ريفيّة لأكثر من 350 قرية ريفيّة متروكة أو نصف متروكة، ووضعتها تحت إدارة القيّم على أملاك الّغائبين. وبلغت مساحة هذه الأراضي 25،3 مليون دونم.(24(
ظل العرب الفلسطينيّون تحت إرهاب الحكم العسكريّ حتّى العام 1967، وتلت ذلك عنجهيّة الانتصار على الدّول العربيّة خلال أيّام ستّة، فاستمرّوا في سياسة كبت الجماهير العربيّة. رغم كل ما ذُكر ثابر الحزب الشّيوعيّ على الدّفاع عن الأراضي العربيّة وكان الشّيوعيّ المحامي حنّا نقارة، ابن مدينة حيفا يصول ويجول في المحاكم الإسرائيليّة بجرأة وصلابة نادرتين دفاعًا عن كلّ دونم وليُعيد الحقوق إلى أصحابها حتّى أُطلِق عليه “محامي الأرض”. لم يكتفِ حنّا نقّارة بدوره في المحاكم بل تصدّر المؤتمرات العربيّة اليهوديّة والاجتماعات الشّعبيّة، واحتلّ موقع القيادة في الحملة الإعلاميّة لنشر حقائق الهجمة السّلطويّة على الأراضي العربيّة. ففي نهاية نيسان عام 1953 وبعد صدور قانون استملاك الأراضي غير المنقولة، بادر الشّيوعيّون وعلى رأسهم حنّا نقّارة إلى عقد مؤتمر تمثيليّ كبير في حيفا، حضره مئات المندوبين من القرى العربيّة في الجليل والمثلّث وشخصيّات دمقراطيّة يهوديّة، وشرح حنّا نقّارة أخطار بنود القانون وأبعاده المأساويّة، وواصل المعركة على المستوى القضائي.
في 1955 دهمت قرى الشّاغور حملة مصادرة جديدة ضمن سياسة “تهويد الجليل” الّتي استبدلت فيما بعد للتّمويه “تطوير الجليل”، وكان الهدف منها إقامة مدينة كرميئيل على الأراضي العربيّة. في 22 كانون الثّاني 1956 عُقِد مؤتمر شعبي كبير شرح فيه محامي الأرض نتائج هذا الإجراء الاستبدادي ونتائجه المدمّرة على الفلّاحين العرب. لم تتوقّف مصادرة الأراضي وفي نفس الوقت لم يتوقّف التّصدّي لها، لكنّ العام 1976 كان نقطة تحوّل في نضال الجماهير العربيّة من أجل المحافظة على البقيّة الباقية من الأراضي العربيّة. في الثّلاثين من آذار من هذا العام أُعلِن الإضراب العام في القرى والمدن العربيّة والمدن المختلطة. كان هذا قرار لجنة الدّفاع عن الأراضي الّتي أُقيمت بمبادرة من الحزب الشّيوعي في العام 1975، واتُّخِذ بسبب مخطّط جديد لمصادرة 20000 دونم من الأراضي العربيّة(25)، ومن الجدير بالذّكر أنّ قيادة الحزب أقرّت الإضراب في حيفا في اجتماعها في بيت الرّفيق الفنّان المشهور عبد عابدي الّذي أبدع فيما بعد النّصب التّذكاري ليوم الأرض في مدينة سخنين، أكبر تجمّع سكّاني في مثلّث يوم الأرض.
العرب الفلسطينيون نفّذوا إضرابًا شاملا، ففقدت السّلطة صوابها، فأنزلت جنودها وشرطتها في القرى والمدن العربيّة والمختلطة، سقط ستة شهداء ومئات الجرحى، وقامت السّلطات باعتقال المئات وفصل آلاف العمّال من أماكن عملهم. وأغلقت المحال التّجاريّة أبوابها في الأحياء العربيّة في حيفا واشتعلت المظاهرات، فاعتقلت الشّرطة أعضاء من الحزب والشّبيبة. قام عدد من المحامين الحيفاويّين بالدّفاع عن العمّال الّذين فُصِلوا من العمل أو هُدِّدوا بالفصل بسبب الإضراب مجانًا ومنهم المحامي حنّا نقّارة والمحامي أنيس شقّور وآخرون، وحاولت وزارة المعارف الضّغط لفصلي أنا وزملاء وزميلات لي رغم أنّنا في مدرسة أهليّة تديرها الرّاهبات الكرمليّات، فتصدّى المحامي أنيس شقّور ومنع عمليّة الفصل.
في السّنوات الّتي تلت يوم الأرض الأوّل كان نشطاء الحزب والجبهة الّتي بادر لإقامتها الحزب الشّيوعي عام 1976 من أجل استقطاب كل القوى التّقدميّة العربيّة واليهوديّة ولتكثيف النّضال من أجل المساواة الحقيقيّة في الحقوق ومن أجل السّلام الحقيقيّ الّذي يحقّق للشّعب العربيّ الفلسطينيّ حقّه الشّرعي في إقامة دولته المستقلّة في حدود الرّابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشّرقيّة وحل قضيّة الّلاجئين حلا عادلا حسب قرار الأمم المتّحدة رقم 194. كان هؤلاء النّشطاء ينتشرون في الأحياء العربيّة في مدينة حيفا للتّأكّد من أنّ كلّ المحلّات التّجاريّة لن تفتح أبوابها ولإقناع من يريد أن يفتح محلّه التّجاريّ بضرورة إنجاح الإضراب، من أجل مواصلة الكفاح من أجل حقوقه وحقوق أبناء شعبنا. أمّا رفاق الشّبيبة الشّيوعيّة فكانوا يتواجدون على مداخل المدارس العربيّة الأهليّة والرّسميّة قبل أيّام من الثّلاثين من آذار لتوزيع المناشير الّتي تذكّر طلّابنا بيوم الأرض وتدعوهم للإضراب، كذلك تواجدوا في صباح يوم الأرض للتّأكد من عدم وصول الطّلاب إلى المدارس.
*الحرب العدوانيّة على لبنان 1982*
في العام 1982 قام الجيش الاسرائيليّ بعدوان غاشم على لبنان، ووقفت كل الأحزاب في الكنيست الإسرائيليّ إلى جانب هذا العدوان، ماعدا الجبهة الدّمقراطيّة للسّلام والمساواة ونوّابها الّذين أدانوا هذا العدوان. وقد نظّمت الجبهة والحزب مظاهرات جبّارة، كانت أبرزها مظاهرة الألوف في مدينة حيفا بعد مجزرة صبرا وشاتيلا. احتشد الآلاف في وادي النّسناس وبدأت المظاهرة تقدُّمها باتّجاه جامع الاستقلال شرق حيفا وانضمّت إليها الألوف المؤلّفة في الطّريق، وكان اللافت للانتباه مشاركة المئات حتى من الّذين اعتُبروا من أحزاب السّلطة وأعوانها، فقد كانت مجزرة صبرا وشاتيلا رهيبة حرّكت المشاعر الوطنيّة حتّى للّذين باعوا ضمائرهم. كنتُ آنذاك سكرتيرًا لجبهة حيفا الدمقراطيّة وعضوًا في السّكرتاريا القطريّة للجبهة وكان الرّفيق عصام مخول سكرتير منطقة حيفا الحزبيّة وكنّا مع قيادة الجبهة في حيفا المنظّمين لهذا السّخط الاحتجاجيّ وشاهدت بأمّ عيني الدّموع الغزيرة حزنًا على الشّهداء، ولكنّي رأيت المشاعر القوميّة النّاضجة المصمّمة على النّضال مهما كانت الأثمان، وتستحضرني هنا أبيات للشّاعر السّودانيّ الفيتوري في قصيدته “عاشق من افريقيا” واصفا عيني إفريقيا المعذّبة الثّائرة:
“حينئذٍ رأيت فيهما توهّج الألم رأيت فيهما العذاب والشّموخ والشّمم”
استمرّت الجبهة وعمودها الفقريّ الحزب الشّيوعيّ في الأعمال الاحتجاجيّة على العدوان على لبنان واستمرّت المطالبة بالانسحاب الكلّي من لبنان، ونتيجة هذا الموقف المثابر والثّابت أخذت الأحزاب الصّهيونيّة اليساريّة بالانضمام إلى هذا الموقف ونشأت حركات تطالب بالانسحاب مثل حركة “أربع نساء” و”نساء بالسّواد”، والاخيرة كانت المشاركات فيها في حيفا من النّساء الدّيمقراطيّات العربيّات واليهوديّات الّلواتي واظبن على الوقوف متّشحات بالسّواد كلّ يوم جمعة في دوّار شارع الكرمة، في الصّيف والشّتاء دون كلل أو ملل. ونحن الشّيوعيّين نحيي ذكرى شهداء مجزرة صبرا وشاتيلا تحت شعار “لن ننسى ولن نغفر”، وواظبتُ على كتابة المقالات في هذه الذّكرى كلّ عام تحت نفس الشّعار كي لا يُنسى أبناء شعبنا ولا يَغفروا، فذكِّر إن نفعت الذّكرى.
إنّ الأعمال الاحتجاجيّة على السّياسة الاسرائيليّة في مختلف الصعد الاقتصاديّة، الاجتماعيّة، الاستيطانيّة الاحتلاليّة والعدوانيّة كانت نشاطات متواصلة لأنّ حكومات اسرائيل لا تتوقّف عن ارتكاب الموبقات، منها الاجتماعات الشّعبيّة، المظاهرات، الإضرابات، توزيع النّشرات ورفع الشّعارات أسبوعيًّا على مفرق شارع الجبل – عبّاس أو قرب مطعم اسكندر أو في الأحياء اليهوديّة خاصّة مركز الكرمل.