الأدب النسوي بين الرفض والقبول والطريق المعقول زياد شليوط – شفاعمرو – الجليل

عقد “الاتحاد العام للكتاب الفلسطينيين – الكرمل 48″، يوم السبت 11 آذار 2023، في قرية معليا الجليلية مؤتمر “أدب المرأة والإشكالية بين النسوي والنسائي” على شرف يوم المرأة العالمي، بالشراكة مع المجلس المحلي في معليا والمكتبة العامة فيها، بحضور ومشاركة كوكبة من الكتاب والشعراء والباحثين والمربين وغيرهم.

ما جعل هذا المؤتمر مميزا وفريدا من نوعه، أنه لأول مرة يعقد مؤتمر تحت هذا العنوان ولبحث موضوع جديد يخضع للجدال والاختلاف بالرأي. وكذلك التقى فيه من يؤيد بشدة ومن يعارض بقوة وجود “الأدب النسوي”، حيث أسمعت الآراء ووجهات النظر بشكل حضاري وديمقراطي قلّ نظيره في عصر يكاد فيه أصحاب الآراء المتناقضة لا يستمعون لبعضهم البعض وليس لديهم استعداد لذلك. هذا ناهيك عن مسألة التنظيم وإخراج المؤتمر بأفضل شكل ومظهر بفضل جهود اللجنة التحضيرية المكونة من أعضاء من اتحاد الكتاب وموظفين من المجلس المحلي في معليا.

لقد مثّل الدكتور محمد صفوري، وهو باحث ومختص بأدب المرأة، الفريق الأول حيث قدم محاضرة بعنوان “الأدب النسوي، شكلا ومضمونا”، أكد فيها أن هذا الأدب خاص بشكله ومضمونه وهو ثائر على المنظومة الذكورية بشكل كلي، رغم ما تعرض له من استهزاء وتحقير وهجوم من قبل العديد من النقاد. وأضاف صفوري أن الأدب النسوي يشكل ثورة على الشكل والمضمون من ناحية أيديولوجية، حيث تظهر المرأة فيه كشخصية رئيسية مثقفة، واثقة بنفسها، مستقلة، جريئة، متحررة من عبودية الرجل، بل وتحل محل الرجل في المجتمع ولا تعترف حتى بوجوده.

ومثّلت المحاضرة الدكتورة جهينة خطيب، وهي باحثة في الأدب الفلسطيني الفريق الثاني من خلال محاضرتها “إشكالية مصطلح الأدب النسوي”، حيث أنكرت وجود “الأدب النسوي” معتبرة الأدب أدبا بغض النظر عن جنس كاتبه، وأضافت أن حصر الأدب في زاوية معينة ينتقص من دور صاحبه، والإصرار على نسوية الأدب انما يساهم في عزل النساء لأنفسهن وتهميش دورهن. وقدمت أمثلة على نجاح أدباء رجال في التعبير عن أفكار النساء وقضاياهن، ونجاح النساء أدبيا بموازاة الرجل وليس بعيدا عنه، ورغم اعترافها بخصوصية المرأة وما تكتبه إلا أن ذلك لا يضعها في خانة خاصة وضيقة.

غادة السمّان والطريق الذهبي نحو الأدب الحقيقي للرجال والنساء

إن النقاش الذي دار ويدور حول “أدب المرأة” أو “الأدب النسوي”، يذكرني بالنقاشات التي كانت تطفو على السطح، وتصل حد تبادل الاتهامات، لدى كل ظاهرة جديدة في الأدب. ونذكر على سبيل المثال النقاش الذي ابتدأ مع ظهور شعر التفعيلة، الذي خرج عن النظامالعمودي للقصيدة ووحدة الوزن والقافية الموحدة، حيث ظهر معارضون له من جهة ومؤيدون من جهة أخرى. ثم عاد الخلاف ليحتدّ أكثر مع جرأة بعض الشعراء واعلانهم عن كتابة ما أسموه “قصيدة النثر” وخاصة مجموعة مجلة “شعر” في لبنان، وهنا ثارت ثائرة المحافظين ومعظم الشعراء والنقاد، ورفض غالبيتهم هذا النوع من الشعر، ولم يعترفوا به شعرا، لكن ذلك لم يمنع كاتبو هذا النوع الجديد من الشعر عن مواصلة كتابته، إلى أن تم الاعتراف به وبوجوده بشكل أو بآخر على الساحة الأدبية، وكذلك الأمر حصل مع “القصة القصيرة جدا”. وبناء عليه فإن مجرد وجود نقاش وجدال ودراسات مؤيدة وأخرى معارضة للأدب “النسوي”، تؤكد على وجود هذا الجانر الأدبي والاعتراف به حتى من قبل معارضيه.

ليست التسمية ما يقلقني في الموضوع. يمكن لمن يشاء ان ينعته بـ “أدب المرأة” ويمكن لمن يرغب أن يطلق عليه تسمية “الأدب النسوي” أو “النسائي”، ليس هذا ما يعنيني أو يشغلني. انما ما أقلقني في هذا النوع من الأدب تلك المغالاة في كسر كل التابوهات والرغبة في احداث انقلاب شامل على كل ما هو موجود في المجتمع، والوصول إلى حد إلغاء “مؤسسة الزواج” وتوظيف الجنس بشكل مكثف ومبالغ فيه، وكأن الأدب النسوي لا يكون نسويا إلا إذا اعتمد على تلك الجوانب. إن من يقرأ الروايات والقصص لكاتبات نسويات يلاحظ مدى استخدامهن للجنس وبشكل فاضح في أدبهن، فهل النسوية لا تتحقق إلا من خلال إتاحة الجنس؟! 

لا شك أنه بمقدور المرأة المبدعة أن تعبر عن مشاعرها وتعكس قضاياها الملتهبة، وتتناول مسألة حريتها ومساواتها بالرجل بأدب نسائي جميل وبلغة أنثوية خاصة، تجعل الرجل يقف إلى جانبها ويدعمها، لا أن ينفر من أسلوبها ومضامينها وبالتالي يستنكف عن دعم مطالبها والوقوف إلى جانبها، وخير مثال على ذلك الأديبة المميزة غادة السمان، التي اعترضت على التسمية واعتبرت أن الزمن تجاوزها، وأضافت “جنس الكاتب وجنس من يختاره بطلا لقصته، لا يحددان هوية الأدب. هوية الأدب هي ببساطة أن يكون أدبا حقا”(1)

فالمرأة المبدعة أثبتت نفسها عبر العصور، سواء في الشعر أو النثر وكذلك في أنواع أخرى من الفنون مثل الأدب التشكيلي والغناء، واستطاعت الحصول على ثقة ودعم الرجل. ولهذا تدعو غادة السمان من خلال تساؤل طرحته الى “التعايش في سلام نساء ورجالا في محراب الكلمة على الأقل، ونتجه صوب البناء بعيدا عن كل ما يشتت طاقاتنا؟”(2) فالغلبة تبقى أولا وأخيرا للإبداع الحقيقي وليس للتمرد العبثي.

إشارات:1) غادة السمان – البحر يحاكم سمكة، منشورات غادة السمان، ط.1، تموز 1986، بيروت – لبنان، ص 1222) غادة السمان- م. س، ص 185

Post Tags:

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*
*