مئةُ عامٍ على وعد بلفور المشؤوم
- by منصة الراي
- July 1, 2017
- 0
- 1212  Views
- 0 Shares
بقلم اسكندر عمل
سيء الصيت بلفور ووعده المشؤوم..
من مهازل القدر أو ربّما حظّي التّعس أنّي أسكن الآن في شارع الثّاني من نوفمبر بعد أن كنت في شارع المتنبّي، ولكن هذا هو واقعنا أن نعيش التّناقضات، المهم أن نبقى متمسّكين بالمبادئ والفكر التّقدّمي الّذي نشأنا عليه وسنبقى كذلك.
في الثّاني من تشرين الثّاني عام 1917 أعطت بريطانيا وعد بلفور لليهود، ويعتبر هذا الوعد حدثًا هامًّا في تاريخ الشّرق الأوسط الحديث عامّة وتاريخ القضيّة الفلسطينيّة بشكل خاص. لم يكن إعطاء الوعد مجرّد صدفة وكذلك لم يكن نتيجة قوّة الحركة الصّهيونيّة، بل كان ثمرة علاقات ومصالح مشتركة بين الإمبرياليّة وبين الحركة الصّهيونيّة الّتي كانت مهيّأة لتكون وسيلة لتدعيم التّوسّع الإمبريالي البريطاني في الشّرق الأوسط.
يقول د. إميل توما في كتابه جذور القضيّة الفلسطينيّة، انّ الكولونياليّة البريطانيّة أصبحت صهيونيّة قبل نشوء الصّهيونيّة، أي أنّ بريطانيا بدأت تفكّر بإقامة وطن قومي لليهود قبل أن يفكّروا هم. ولتدعيم هذا القول أضيف قولًا لأحد زعماء الصّهيونيّة، حاييم وايزمن، الّذي قال لو لم تكن الحركة الصّهيونيّة موجودة لكانت بريطانيا أوجدتها لأنّ لها مصالح في وجودها.
يؤكّد د. إميل توما أنّ بريطانيا مهّدت للقائها الإمبريالي بالصّهيونيّة منذ القضاء على حكم محمّد علي في سورية الكبرى عام 1840، ففي الوقت الّذي كانت فيه المسألة السّوريّة على بساط البحث بين الدّول، كتب بالمرستون مشروعًا للحكومة البريطانيّة يقترح فيه إقامة دومنيون يريطاني في سوريا وأضاف انّه بعد ضمان الدّول لتحقيق المساواة في سوريا سيخرج العبرانيون بثرواتهم وصناعتهم إلى سورية، وأكّد أنّ استعمار العبرانيّين لسورية هو أرخص وأضمن اسلوب لتزويد هذه المنطقة بحاجاتها (جذور القضيّة الفلسطينيّة ص 12).
أشار المؤرّخون البريطانيّون في كتاباتهم أنّ بريطانيا في السّنوات 1840- 1876 أكّدت حيويّة السّيطرة على سورية وبضمنها فلسطين واستخدام اليهود في استيطان فلسطين لتثبيت السّيطرة البريطانيّة وحماية الطّريق إلى الهند. ومن هؤلاء ثوماس كلارك في كتابه “فلسطين لليهود” وهولنفورت في كتابه “تاريخ اليهود في فلسطين” وغيرهما.
وتظهر هذه السّياسة في تصريحات شخصيّات بريطانيّة في هذه الفترة مثل الكولونيل جورج جولر حاكم جنوب استراليا، الّذي تحدّث عام 1853 عن أهمّيّة سورية كطريق بين انجلترا ومراكز تجارتها في الهند والصّين، وأكّد الخطورة الكامنة في سيطرة دولة أخرى غير بريطانيا على هذه البلاد، ودعا إلى تطوير هذه البلاد بنشاط بني اسرائيل.
إنّ هذه الرّغبة البريطانيّة فَتَرت في الرّبع الأخير من القرن التاسع عشر ويعود ذلك حسب رأي لينين: “الإمبرياليّة أعلى مراحل الرّأسماليّة” أنّ الدّول الاستعماريّة تحوّلت من الكولونياليّة إلى الإمبرياليّة، أي أنّ الصّراع تحوّل من النّفوذ والمواقع الاقتصاديّة إلى صراع على الأقطار نفسها.ويؤكّد لينين في كتابه”حركة شعوب الشّرق التّحرّريّة الوطنيّة” ص158-159 أنّ بريطانيا تملّكت في السنوات 1884-1900 (3,7 مليون ميل ) وفرنسا (3,6 مليون ميل) والمانيا مليون ميل وبلجيكا 900 ألف ميل والبرتغال 800 ألف ميل.
** هرتسل ومشروع العريش..
في بداية القرن العشرين كانت المنظّمة الصّهيونيّة قد تأسّست في بازل عام 1897، وعادت العلاقات بين بريطانيا والحركة الصّهيونيّة، وقد برز هذا التّعاون في شخص هرتسل، ففي المفاوضات بين هرتسل وتشمبرلن تقدَّم هرتسل بمشروع استعمار قبرص أو شبه جزيرة سيناء أو مشروع العريش (تلاحظون تنازل هرتسل عن “أرض الآباء والأجداد”)، وقد استبعد تشمبرلن موضوع قبرص ونظر إيجابًا إلى مشروع العريش. بعد ذلك اقترحت بريطانيا مشروع أوغندا. بالإضافة إلى ذلك لم تكن بريطانيا تخطّط في هذه الفترة الاستيلاء على فلسطين لأنّ ظروف التّوازن الدّولي جعلت مصير الأمبراطوريّة العثمانيّة غير واضح.
مع اندلاع الحرب العالميّة الأولى وانضمام الأمبراطوريّة العثمانيّة رسميًّا إلى دول المركز، سنَحت الفرصة من جديد لتقسيم الأمبراطوريّة العثمانيّة وتجدّدت الاتّصالات بين الحركة الصّهيونيّة والقادة البريطانيّين.
في أوائل العام 1915 أرسل وايزمن رسالة إلى س. ب . سكوت محرّر مانشستر غارديان كتب فيها: “في حالة وقوع فلسطين في دائرة النّفوذ البريطاني، وفي حالة تشجيع بريطانيا استيطان اليهود هناك سنستطيع خلال عشرين أو ثلاثين عامًا نقل مليون يهودي أو أكثر إليها فيطوّرون حارسًا فعّالًا يحمي قناة السّويس.” (جذور القضيّة….ص78 )
في العام 1916 وبعد أن انتهت بريطانيا من مراسلاتها مع الشّريف حسين وبعد توقيعها لمعاهدة سايكس-بيكو مع فرنسا وروسيا أعدّت وزارة الخارجيّة البريطانيّة مذكّرة سرّيّة نصّت على ضرورة عقد اتّفاقيّة مع الصّهاينة وتقديم المساعدة لهم بأسرع وقت ممكن لأجل توسيع الهجرة اليهوديّة إلى فلسطين” حين يصلب عود مستوطنيهم في فلسطين إلى حد أن ينافسوا السّكّان العرب فإنّهم سيتمكّنون من أن يأخذوا في أيديهم إدارة الشّؤون الدّاخليّة في هذه المنطقة.”(بونداريفسكي، الغرب ضدّ العالم الإسلامي ص369 )
** توجّه الحركة الصّهيونيّة للدّول الإمبرياليّة
بعد المؤتمر الصّهيوني الأوّل الّذي عُقد في بازل عام 1897 ، بدأت المنظّمة الصّهيونيّة الّتي تأسّست في هذا المؤتمر بالعمل على تحقيق هدفين أساسيّين وهما إقامة وطن قومي والحصول على الموافقة الدّوليّة على إقامة هذا الوطن. وقد قام هرتسل بالاتّصال بالدّول الإمبرياليّة كالدّولة العثمانيّة وألمانيا وبريطانيا وايطاليا وروسيا القيصريّة.كان هرتسل يبرز لزعماء الدّول الفائدة الكبرى للإمبرياليّة من قيام الوطن اليهودي.
عشيّة الحرب العالميّة الأولى لم تكن الحركة الصهيونيّة موحّدة وكانت تعاني من ضعف ويبرز ذلك في كتابات الكثيرين من مؤرّخي الصّهيونيّة وعلى سبيل المثال المؤرّخ فازيا برلين في كتابه ” حاييم وايزمن” يقول:” ستبقى السّنوات الّتي سبقت الحرب العالميّة الأولى فصلًا جافًّا في تاريخ الصّهيونيّة ”
بعد اندلاع الحرب اشتدَّ التّقاطب القومي في الحركة الصّهيونيّة ، وكان هناك تناقض بين مواقف الطّبقات المتموّلة اليهوديّة في البلدان المختلفة، فبينما دعت الطّبقة المتموّلة في الولايات المتّحدة إلى إلغاء الاتّفاق التّجاري مع روسيا القيصريّة لأنّها ضايقت اليهود، نرى المتموّلين اليهود في فرنسا وبريطانيا يدعمون دولهم في تقوية الرّوابط مع روسيا الّتي تقف إلى جانب بلادهم في الحرب ، أمّا اليهود الألمان فمن الواضح أنّهم أيّدوا المانيا.
صحيح أنّ المنظّمة الصّهيونيّة نقلت مقرّها من برلين إلى كوبنهاجن لإبراز حياد المنظّمة الصّهيونيّة ، لكنّ الحقيقة هي أنّ فرعي المنظّمة المؤيّد لألمانيا ودول المركز والمؤيّد لبريطانيا ودول الحلفاء، عمل كل منهما على حدة للحصول على وعد لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.
في البداية كانت الأكثريّة مع ألمانيا لأنّ فلسطين كانت لا تزال تحت الحكم العثماني ومن قادة الحركة الّذين اعتقدوا ذلك دافيد بن غوريون ويتسحاك بن تسفي. أمّا الفرع المؤيّد لبريطانيا فكان يقوده حاييم وايزمن وجابوتنسكي. لقد كانت بريطانيا أسرع وأعطت الوعد لأنّ مصالحها الإمبرياليّة كانت ملحّة، والحركة الصّهيونيّة كانت مستعدّة لخدمة الإمبرياليّة الّتي تحقّق أهدافها.
إنّ الحركة الصّهيونيّة أثناء الحرب العالميّة الأولى على الرّغم من انقسامها فقد كان هدفها واحدًا. وفعلًا كانت محاولات ألمانيّة لإقناع السّلطة العثمانيّة بإعطاء اليهود وطنا قوميا في فلسطين لكنّ بريطانيا كانت أسرع كما رأينا.
* أسباب إعطاء الوعد
في الثّاني من تشرين الثاني 1917 قامت بريطانيا بإعطاء وعد بلفور لليهود، والسّؤال ما هي الدّوافع الّتي جعلت بريطانيا تعطي هذا الوعد؟ وهل الدّوافع الّتي تذكرها المصادر المختلفة تصمد أمام الدّافع الحقيقي لإعطاء هذا الوعد ألا وهو مصالح الإمبرياليّة البريطانيّة وتوافقها مع مصالح الصّهيونيّة.
هناك العديد من الأسباب الّتي طُرِحت تُعتبر سخيفة ولا تصمد أمام البحث التّاريخي الصّحيح ورغم ذلك اعتبرها بعض المؤرّخين أسبابًا ذات أهمّيّة كتعليل إصدار الوعد بأنّه اعتراف بخدمات حاييم وايزمن في اكتشاف مادة الأسيتون والكمّامة في أدق مراحل الحرب!! فهل يمكن أن يُكافأ كل عالم اكتشف أو اخترع شيئًا بدولة؟ أو النّظرة الإنسانيّة الّتي أعلنها بلفور في خطابه في مجلس اللوردات عام 1922 بأنّ بريطانيا منحت الوعد كتكفير عن الجرائم الّتي ارتكبتها أوروبا بحق اليهود.
أمّا الأسباب الأخرى الّتي يوردها كريستوفر سايكس ويرى أنّها أسباب عابرة من الممكن أنّها أثّرت على الحدث لكنّها لا تفسّره، وهذا يثبت أنّها أسباب “ثانويّة” في وقت ما بين أواخر عام 1916 وأوائل 1917 ساد الاعتقاد أنّ وعدًا مؤيّدًا للصّهيونيّة سيحوِّل الرّأي العام اليهودي الأمريكي إلى جانب الحلفاء ويؤثّر على الرّأي العام الأمريكي وكان هذا الاعتقاد حافزًا كبيرًا للسّاسة البريطانيّين. ولكن هذا الاعتقاد لم يبقَ منه إلّا القليل إن بقي منه شيء على الإطلاق عند المرحلة الأخيرة من المفاوضاتً، فيبدو أنّه نُسِي، وفي وقت آخر كان هناك خوف كبير من أن يستبِق الألمانُ الحلفاءَ بوعد منهم بشأن وطن قومي لليهود. وفي المرحلة الأخيرة قبل تشرين الثّاني 1917 ساد الاعتقاد أنّ تأييدًا بريطانيًّا علنيًّا للصّهيونيّة يبعد اليهود الرّوس عن الحزب البلشفي ويضمن أن تبقى الثّورة لا معتدلة فحسب، بل حليفًا محاربًا إلى جانب بريطانيا وفرنسا.”(جذور…ص81-82 )
د. إميل توما يرى أنّ الأسباب المذكورة أعلاه أسباب ثانويّة كتفويت الفرصة على الإمبرياليّة الألمانيّة لكنّه لا يتجاهله لأنّ الإمبرياليّة الألمانيّة حاولت أن تعطي الوعد ايضًا. بالنّسبة للاستفادة من ضغط اليهود الأمريكيّين على حكومتهم لمساعدة الحلفاء يرى فيه سببًا ثانويًّا أيضًا ويؤكّد حقيقة معاكسة وهي أنّ قيادة الصّهيونيّة البريطانيّة استنجدت بالصّهيونيّين الامريكيّين ليقنعوا حكومتهم بالضّغط على بريطانيا لتصدر وعد بلفور. أمّا قضيّة توزيع الوف النّسخ من الوعد على يهود روسيا وشرق أوروبا بطائرات الحلفاء ليكسبوا تأييد اليهود ضدّ البلاشفة فيرى أنّه كان عاملًا ثانويًّا عند إعطاء الوعد ولكن زادت أهميّته عندما ازدادت الحاجة لمقاومة الشّيوعيّين والاتّحاد السّوفييتي فيما بعد أي بعد إعطاء الوعد.
** “مصلحة إمبرياليّة بعيدة المدى”
إنّ السّبب الحقيقي الّذي دفع بريطانيا لإعطاء الوعد كما يثبته د. إميل توما في كتابه “جذور القضيّة الفلسطينيّة” هو المصلحة البريطانيّة العليا الّتي توافقت مع مصالح الصّهيونيّة، وهنا لم يكن تأثير للكم، فقد كان عدد اليهود الصّهاينة في بريطانيا قليلًا وكانت بريطانيا تعرف ذلك حقّ المعرفة وكان يمكنها التّأكد من ذلك من الوضع في الحكومة البريطانيّة، إذ أنّ الوزير اليهودي مونتياغو عارض الوعد بشدّة.(د. إميل توما، ستون عاما على الحركة القوميّة العربيّة الفلسطينيّة، منشورات البيادر 1978 ، ص12 .)
اعترفت الصّحافة البريطانيّة بأن أهداف بريطانيا كانت مصلحتها الإمبرياليّة البعيدة المدى، كجريدة “ساندي كرونيكل” الّتي كتبت تحت عنوان “سياسة بريطانيا في فلسطين ضرورة عبرية بريطانيّة” : لا يوجد جنس آخر في العالم كلّه يستطيع أن يقوم بهذه الخدمات لنا غير اليهود أنفسهم، ولدينا في الحركة الصّهيونيّة القوّة المحرّكة الّتي ستجعل امتداد الأمبراطوريّة البريطانيّة إلى فلسطين…(جذور ص83 )
أمّا “إيفنينغ ستاندرد” فكتبت ” لقد أوضحت المصالح البريطانيّة منذ وقت طويل ضرورة قيام دولة حاجزة بين مصر وحكومة تركيّة معادية، والصّهيونيّة تزودنا بهذا الحل” (جذور…ص84 )
كذلك بعد إعطاء الوعد استمرّت الصّحافة البريطانيّة في الكتابة عن فوائد بريطانيا الإمبرياليّة من إعطاء الوعد فكتبت ” جلاسكو هيرالد”: “من وجهة النّظر البريطانيّة فالدّفاع عن قناة السّويس يتم على أفضل وجه بإقامة شعب في فلسطين ملتصق بنا، وإعادة اليهود إلى فلسطين تحت الرّعاية البريطانيّة يضمن ذلك.
من ناحية أخرى يظهر تعلق الحركة الصّهيونيّة بعجلة بريطانيا فنورمان بنتويش في كتابه “اسرائيل النّاهضة” يقول انّ حاييم وايزمن ربط عجلة الصّهونيّة بنجم بريطانيا معتقدًا أنّ بناء فلسطين يجب أن يكون شراكة بريطانيّة يهوديّة.
كذلك ماكس نوردو في خطاب له عام 1919 بحضور لويد جورج وبلفور قال:” نعرف ما تتوقّعونه منّا وتريدون أن نكون حرس قناة السّويس، علينا أن نكون حرّاس طريقكم إلى الهند عبر الشّرق الأدنى، نحن على استعداد لأن نقوم بهذه الخدمة العسكريّة ولكن من الضّروري تمكيننا من أن نصبح قوّة حتّى نستطيع القيام بهذه المهمّة.”( ستون عامًا.. ص12)
وهناك دافع بريطاني آخرهو أن يقوم الوطن اليهودي بالتّصدّي للحركة القوميّة العربيّة ونرى ذلك في تصريح ستورز حاكم القدس بعد احتلال فلسطين”إنّ الوطن القومي اليهودي سيكون”اولستر”(الجزء الإيرلندي الشّمالي التّابع لبريطانيا) في بحر هائج من العداء العربي”.( ستون عاما…ص13 )
* نص الوعد
“إنّ حكومة جلالته تنظر بعين الارتياح إلى إنشاء وطن قومي في فلسطين للشّعب اليهودي وستبذل أطيب مساعيها لتسهيل بلوغ هذه الغاية.وليكن معلومًا أنّه لن يُعمَل شيء من شأنه أن يُلحِق الضّرر بالحقوق المدنيّة والدّينيّة الّتي تتمتّع بها الطّوائف غير اليهوديّة الموجودة في فلسطين أو بالحقوق الّتي يتمتّع بها اليهود في أيّ بلد آخر والمركز السّياسي الّذي حصلوا عليه.”
يبدأ النّص بالتّأكيد على أنّ الحكومة البريطانيّة وافقت على الوعد وهذا الأمر ترى فيه المصادر الصّهيونيّة تثبيتًا لقانونيّة الوعد إذا ما قورن مع مراسلات الشّريف حسين- مكماهون الّتي لم تُذكَر موافقة الحكومة البريطانيّة عليها. أمّا المصادر العربيّة الّتي تنفي مصداقيّة الوعد فتؤكّد أنّ بريطانيا عندما أعطت الوعد، أي في 2.11.1917 لم تكن قد احتلّت من فلسطين سوى الجزء الجنوبي أي المناطق الواقعة شمالي العقبة،وهذا يعني أنّ بريطانيا أعطت وعدًا على بلاد لم تكن تحت سيطرتها… بالإضافة إلى ذلك فإنّ الجيوش العربيّة،جيوش الثّورة العربيّة الكبرى، كان لها دور كبير في احتلال فلسطين وسورية وهذا ما تعترف به المصادر البريطانيّة. أمّا تبنّي عصبة الأمم للوعد في مقدّمة صك الانتداب وفي بنوده فواضح لكل دارس لتاريخ هذه الفترة أنّ عصبة الأمم كانت تحت هيمنة الدول الإمبرياليّة بريطانيا وفرنسا اللتين اقتسمتا الشرق الأوسط بينهما في سايكس بيكو ثمّ في سان ريمو.
بالنسبة لعبارة “وطن قومي لليهود في فلسطين” فقد كان نقاش حول صياغة هذه العبارة بين ممثّلي المنظّمة الصّهيونيّة في بريطانيا وبين الحكومة البريطانيّة.فقد طالبت المنظّمة الصّهيونيّة أن يكون النّص”فلسطين كوطن قومي لليهود”أي كل فلسطين، بينما أصرّت بريطانيا أن يكون النّص كما ورد في الوعد “وطن قومي” احتفاظا لنفسها بمينائي عكا وحيفا كما كان متّفقًا بينها وبين فرنسا في اتّفاقيّة سايكس بيكو.حاولت المنظّمة الصّهيونيّة إلغاء النّص”عدم الإضرار بالحقوق المدنيّة والدّينيّة لكل من ليس يهوديًّا” لكنّها فشلت في ذلك. ولكن النّص الموجود في الوعد لا يخلو من دهاء سياسي بريطاني، إذ يعترف النّص بالحقوق المدنيّة والدّينيّة ولا يذكر الحقوق السّياسيّة،كذلك يعتبر غير اليهود في فلسطين مجرّد طوائف أي يتجاهل كون هذه الطّوائف شعبًا عربيًّا وهنا يظهر التّآمر الإمبريالي البريطاني مع الصّهيونيّة في حرمان الشّعب العربي الفلسطيني من إقامة دولة مستقلّة في المستقبل، ويجعل من الصّراع العربي اليهودي في فلسطين أمرًا حتميًّا.
أمّا القسم الأخير من الوعد أي”عدم الإضرار بالحقوق الّتي يتمتّع بها اليهود في أي بلد آخر أو المركز السّياسي الّذي حصلوا عليه” فقد أُضيف بضغط من العناصر اليهوديّة ذات المراكز السّياسيّة في بريطانيا وغيرها،ذلك أنّهم رأوا بالوعد خطرًا عليهم وعلى مراكزهم.
حملة دولية لاحياء الذكرى المئوية لوعد بلفور