سفينة الشَّاي – بوسطن

بقلم اسكندر عمل

في يومي الأوَّل من زيارتي  لبوسطن  قمتُ بزيارة مَعلمٍ هامٍّ من معالم بوسطن بالنَّسبة لي لأنَّه يؤرِّخ مقاومة الأمريكيِّين وهم يرزحون تحت الاستعمار البريطانيِّ عام 1773 أي قبل حصول الأمريكيِّين على الاستقلال بثلاث سنوات عام 1776.
الطَّقس كان رائعًا رغم كوننا في فصل الشِّتاء، توجَّهتُ وزوجتي إلى الموقع الذي ألقى فيه الأمريكيُّون بحمولة السُّفن المحمَّلة بالشَّاي إلى مياه المحيط فاصطبغ ماء المحيط باللون الأحمر. اعتاد البريطانيُّون إرغام الشُّعوب الرَّاضخة تحت حكمهم على شراء بضائع يأتون بها من مستعمراتهم الأخرى وكانوا يفرضون على هذه البضائع ضرائب باهظة وكان على السُّكَّان القبول.
في السَّفينة التي تحوَّلت إلى مقهى تذوَّقنا أنواع الشَّاي، وهم يدَّعون أنَّ هذه الأنواع هي التي كانت في السَّفينة آنذاك، وأنا أشكُّ في ذلك، فتاريخهم المقاوم تحوَّل في هذا المقهى إلى مجرَّد  شاي مُحلَّى بعسل، ناقشتُ النَّادلة على صحَّة كون هذه الأنواع من الأصناف التي كانت في السُّفن ذات الصِّلة على سبيل التَّندُّر فأصرَّت أنَّها كذلك. طعم أصناف الشَّاي كان لذيذًا والذِّكرى التي رمزَت إليها كانت عظيمة، لكنَّ الغصَّة ممَّا يفعله أحفاد هؤلاء الأبطال في عالمنا كانت مؤلمة وخانقة.
مظلوم الأمس أضحى ظالمًا يزرع الدَّمار في شرقنا الحبيب ويدَّعى أنَّه يسعى إلى شرق أوسط جديد، البريطانيُّون باعوا الشَّاي للأمريكيِّين رغمًا عنهم واليوم “العم سام” يصدِّر أسلحة الموت والدَّمار للأنظمة المُهترئة القابعة في قصور شامخة بين آبار النَّفط التي تموِّل مجون هؤلاء وغيِّهم.
وهؤلاء بدورهم يمنحون هذه الأسلحة للإرهاب السَّلفي المعادي لكل ما هو تقدُّمي ولكلِّ ما هو حضاري، المانحون يدَّعون أنَّ الدِّيمقراطيَّة هدفهم، متغافلين عن أنظمة يدعمونها رغم أنَّها رمز للاستبداد والحكم الفرديِّ المتسلِّط. أنظمة العائلات المالكة والآمرة، الخانقة للحرِّيات، الهاضمة لحقوق الإنسان.
رغم ما ذكرت أعلاه لا يمكننا ألا أن نقدِّر نضال الأمم من أجل حرِّيَّتها واستقلالها ونقدِّر مثابرة الشَّعب الأمريكيِّ في مطالبته للحرِّيَّة حتَّى نالها من أكبر الدُّول الاستعماريَّة والتي استغلَّت خيرات الولايات الأمريكيَّة كاستغلالها الشَّرس لكل بقعة من بقاع الأرض كانت تحت سيطرتها، فهي الإمبراطوريَّة التي لم تغب الشَّمس عن مناطق احتلالها.
بوسطن كانت نقطة انطلاق الثَّورة والمقاومة ، فقد قرَّر “أبناء الحرِّيَّة” وهو تنظيم اجتماعيٌّ سرِّيٌّ أن يكون طلائعيًّا، أي في مقدِّمة النَّشاط الثَّوريِّ وطالبوا بإقالة الحاكم هاتشينسون لأنَّه المسئول في قضيَّة الشَّاي، وعندما رفض قام ستُّون رجلاً في السَّادس عشر من شهر كانون الأوَّل بينهم سام أدمز وجون هانكوك باعتلاء سفينة دارتموث وسفينتين أخريين وألقوا ب 342 صندوقًا ضحمًا مملوءة بالشَّاي في ميناء بوسطن  فتحوَّل الميناء إلى بحر أحمر وقد أُطلق عليهم فيما بعد” مجموعة شاي بوسطن”.
هنا بدأت الثَّورة الأمريكيَّة  وتلا ذلك الكونغرس القارِّي الأوَّل في الخامس من شهر أيلول 1774 ثمَّ معركة ونكر هيل في 17 حزيران 1775 ، وفي العام 1776 أي قبل 240 عامًا نالت الولايات المتَّحدة استقلالها التَّام عن بريطانيا وكان أوَّل رئيس لها جورج واشنطن.

 

Post Tags:

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*
*