سكة حديد درعا – حيفا

بقلم اسكندر عمل

في الأول من أيّار 1900 أعلن السّلطان العثماني عبد الحميد الثّاني عن مشروع سكة الحديد الحجازيّة، والّتي أعلن أنّ الهدف من إقامتها تسهيل سفر الحجاج إلى مكّة والمدينة لأداء فريضة الحج. دعا السّلطان المسلمين في كل العالم للتبرّع بكرم لتنفيذ هذا الهدف المقدّس. تدفّقت الأموال وشرع السّلطان بتنفيذ المشروع وتقدّم العمل الذي أشرف على تنفيذه المهندس الألماني هنريخ مايسنر وعدد من المهندسين الأجانب ،معظمهم ألمان، وفي الأول من أيلول 1903 تمّ انجاز خط دمشق– درعا. وكانت المرحلة الثانية إقامة خط فرعي يربط السّكة الرئيسيّة بالبحر المتوسّط واختيرت حيفا لهذا الغرض،
وبدأ العمل في خط حيفا – درعا عام 1903. اشترت إدارة الشركة التركيّة من شركة فللينج البريطانيّة- التي كانت قد بدأت في العام 1892 بمد سكة حديد من حيفا إلى دمشق- كل التّجهيزات التي أنجزتها وتشمل سكّة بطول 8 كم .
كانت حيفا قد شهدت ازدهارًًا منذ بدء العمل 1892 رغم التّقدّم البطيء،فقد زادت   تجارتها وحسب تقرير نائب القنصل البريطاني عام 1899 أنّ معظم محاصيل منطقة حوران صُدِّرت من ميناء حيفا. وازدادت الحاجة للعمّال لتنفيذ بناء السّكة مما أدّى إلى زيادة في عدد السّكّان وازدياد الطّلب على الأرض للبناء، وهذا بدوره زاد من سعر الأرض والبيوت. في العام 1903 زاد الضغط غير العادي على ميناء حيفا لأنّ المواد والأجهزة الثّقيلة المطلوبة لبناء السكّة كانت تصل إليه، إضافة إلى حركة المسافرين والاستيراد والتّصدير ، وهذا كان الدّافع للتّفكير ببناء ميناء جديد في حيفا الّذي سيُباشر ببنائه عام 1905 .
زادت الهجرة المكثفة إلى حيفا من كل أنحاء فلسطين ومن الدّول المجاورة كسوريا ولبنان لما تطلّبته عملية بناء السّكة وحاجة ميناء حيفا للعمّال. ففي الميناء تمّ تفريغ مئات السّفن الّتي كانت محمّلة بالقاطرات وعربات القاطرات المستوردة من ألمانيا وبلجيكا، وتحوّلت حيفا إلى الميناء ومكان التّخزين الوحيد لكل ما تحتاجه سكة الحديد الحجازية وليس خط حيفا- درعا فقط. بناء على هذه الأهميّة التي اكتسبتها حيفا تقرّر أن تكون مقرّا للإدارة العامّة لسكّة الحديد الحجازيّة. تحوّلت حيفا إلى مكان عمل هام للآلاف من عمّال وحرَفيي فلسطين حتى أُطلِق عليها لقب ” أُم العمل “.
لم تتحوّل حيفا إلى مدينة عُمّال فقط بل أصبحت مركزا تجاريّا هاما، ميناء للاستيراد والتّصدير، وتحوّلت حيفا بعد 1905  إلى الميناء الوحيد لتصدير الغلال الآتية من حوران بعد أن كانت تتقاسم ذلك مع عكا. ازدهرت تجارة الجملة كذلك تجارة المفرق والصّناعة وورشات العمل وفرع البناء وبيع العقارات والأراضي .

بعد إتمام سكّة الحديد الحجازية ووصولها إلى المدينة، أضحت حيفا محطّة هامّة للآلاف من الحجاج في طريقهم إلى الحج، وكان هؤلاء مصدرا هاما للدّخل للتّجار الصّغار وأصحاب الفنادق الصّغيرة والنُّزُل وكل المصالح المرتبطة بالسّياحة.
ازدهرت المنطقة المجاورة لموقع سكة الحديد وهي أرض البلان (بالقرب من جامع الاستقلال والمنطقة حوله)، فارتفعت أسعار الأراضي لأنّ التّجار من أحياء حيفا الأُخرى أخذوا بشراء الأراضي لبناء مخازن أو محلّات تجاريّة، وبناء على سجل المحكمة الشّرعيّة الّذي يعتمد عليه د. يزبك في بحثه فانّ سعر ذراع مربّع من الأرض في هذه المنطقة ارتفع من ثلاثة قروش في سنوات الثّمانين من القرن التّاسع عشر الى ثلاثين قرشا عام 1903. اعتمادا على التّقرير السّنوي لنائب القنصل البريطاني لعام 1907   يقول يزبك انّه تذمّر من غلاء الأسعار ويعطي مثلا شخصيّا أنّه دفع عام 1904 مقابل إيجار بيته ومقر القنصليّة 25 ليرة فرنسيّة وهذا العام       ( 1907 ) طلب منه صاحب المِلك 55 ليرة فرنسيّة.
ويضيف يزبك أنّ الازدهار الاقتصادي لحيفا وهجرة تجار أغنياء إليها كان له تأثير على طراز البناء فيها، فقد بُنِيت بيوت ذات طابقين وثلاثة طوابق،تحيطها حدائق على السّفوح الجنوبية الشّرقيّة والجنوبية الغربيّة للجبل (الحلّيصة ووادي النّسناس).

 

Post Tags:

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*
*