الحزب السّوري القومي الاجتماعي – اسكندر عمل
- by منصة الراي
- August 11, 2017
- 0
- 6833  Views
- 0 Shares

نشأ الحزب السّوري القومي الاجتماعي في ثلاثينات القرن الماضي، وقد وجد الحزب تربة خصبة في لبنان نتيجة للوهن الّذي عانت منه الحركة القوميّة العربيّة وفشلها في الحصول على الاستقلال والتّحرّر من نظام الانتداب، ممّا أدّى إلى قيام محاولات استقلال أو حكم ذاتي على اساس قومي أو ديني، كمحاولة اقامة حكم ذاتي للسّنّة أو الموارنة، والتّيّار الفينيقي ألخ.
إنّ عدم قدرة الحركة القوميّة العربيّة على التّأثير على كل العالم العربي، وفشلها في إيجاد حلول لقضايا هامّة ومصيريّة بالنّسبة للأقطار العربيّة كازدياد قوّة الصّهيونيّة في فلسطين، أدّى إلى تعاظم أفكار قوميّة انفراديّة كالقوميّة المصريّة والقوميّة السّوريّة والقوميّة العراقيّة، وقد هدفت كل منها إلى الاستقلال والتّحرّر من السّيطرة الأجنبيّة.
أنطون سعادة هو مؤسّس الحزب السّوري القومي الاجتماعي، ولد في قرية دير الشّوير عام 1899 (لبيب زويّا يمك في كتابه عن الحزب السّوري القومي الاجتماعي الّذي صدر بالانجليزيّة عام 1969، يورد أنّ ميلاد سعادة كان عام 1904)، لأبٍ أرثوذكسي وأم بروتستنتيّة. أبوه خليل سعادة كان طبيبًا، واشتهر بأبحاثه الطّبّيّة، ومنذ الشّباب دعا إلى النّهضة العربيّة وهاجر إلى مصر نتيجة الملاحقة العثمانيّة، ومن هناك ونتيجة للظّروف الماديّة هاجر إلى البرازيل. في البرازيل ترك مهنة الطّب، وأنشأ جريدة بالّلغة العربيّة وجعل جل اهتمامه في الجالية الّلبنانيّة الكبيرة هناك.
تعلّم أنطون في مدرسة لغة التّدريس فيها البرتغاليّة، وتعلّم الّلغة العربيّة من أبيه، ومن أمّه تعلّم الانجليزيّة. شعر أنطون بانتمائه لوطنه لبنان بتأثير أبيه. في العام 1926 توفي والده، وتفرّغ أنطون للصّحافة واقترب كثيرًا من حياة الجاليات العربيّة في أميركا الّلاتينيّة.
(1)
في الثّلاثين من عمره قام أنطون سعادة بجولة في اوروبا والشّرق الأوسط، ومكث في المانيا سنة ونيّفا، وهناك اعتقد أنه اكتسب نهجه التّوتاليتاري بتأثير الفكر النّازي، لكن المؤكّد أنّ فكره السّياسي تبلور بعد العام 1930 حين مكث في الشّرق الأوسط. أنطون نفسه يكتب في العام 1935 في السّجن، انّ أفكاره بدأت منذ أن كان صبيًّا أثناء الحرب العالميّة الأولى، ورأى معاناة شعبه وشرع في البحث عن أسباب هذه المعاناة، ليس لهدف البحث إنّما لحس داخلي كي يجد طريقًا لإزالة هذه الأسباب.وقد وصل إلى قناعة أنّ انعدام السّيادة القوميّة هو السّبب الرّئيس لهذه المعاناة.
وضع أنطون سعادة اسس حزبه الفكريّة في العام 1930 وأخذ بنشرها بين الأعوام 1931 و1934 بين طلّاب الجامعة الأمريكيّة في بيروت، خاصّة الّلبنانيّين والسّوريّين والأردنيّين. في العام 1931 أخذ في العمل لإقامة الحزب وفي 16 تشرين الثّاني عام 1932 أعلن عن تأسيس الحزب السّوري القومي. لكن اسم الحزب العلني في السّنوات الثّلاث الأولى كان “الشّركة التّجاريّة السّوريّة”. لم يصل عدد أعضاء الحزب في حزيران 1934 إلى أكثر من 30 عضوًا، وجميعهم كانوا طلّابًا في الجامعة الأمريكيّة في بيروت.
في صيف سنة 1934 انتشر الحزب خارج بيروت، إلى طرابلس وجنوب لبنان ووصل عدد أعضاء الحزب إلى 1000 عضو.
في 21 تشرين الثّاني 1934 وضع أنطون سعادة دستور الحزب، وفي النّصف الأوّل من العام 1935 زاد عدد فروع الحزب ووصل حتّى دمشق، لكنّه بقي سرّيًّا. في تشرين الثّاني 1935 اعتقل 39 عضوًا من أعضاء الحزب، منهم 12 من المجلس الأعلى للحزب. (1)
اعترف أنطون سعادة في محاكمته بأنّه أنشأ الحزب في السّر وحُكِم عليه بالسّجن لمدّة ستّة أشهر، كتب خلالها كتابه “نشوء الأمم”، الّذي تضمّن الاسس والمبادئ الّتي بنى عليها الحزب القومي السّوري.
في العام 1936 سُجِن أنطون سعادة مع عدد من أعضاء الحزب بتهمة قتل صحفيّين لبنانيّين، لكن أُخلِيَ سبيله بعد أربعة أشهر وعاد إلى مزاولة نشاطه السّياسي، وقام بزيارة فروع الحزب خاصّة الّلاذقيّة.
(2)
هوجم أنطون سعادة من جهات مختلفة كزعماء الموارنة الذين رأوا في خططه ضمّ لبنان لسوريا وهذا ما عارضوه بشدّة، والقوميّين العرب الّذين هاجمهم سعادة وعاب عليهم تقصيرهم في مناهضة الانتداب والسّيطرة الأجنبيّة، وزعامات المسلمين الّذين رأوا في الغائه للطّائفيّة الّذي برز في كتاباته وتصوّره الفكري تآمرًا على مركزهم كديانة رسميّة لسوريا، كذلك سلطات الانتداب الّتي رأت فيه وفي حزبه تيّارًا متطرّفًا. (2)
في العام 1937 ونتيجة لضغوط مورست عليه اضطرّ إلى إضافة كلمة “الاجتماعي” لاسم حزبه فأصبح اسم الحزب “الحزب السّوري القومي الاجتماعي”. وفي ايّار من العام نفسه سمحت له الحكومة بإصدار صحيفة باسم “النّهضة”، وكانت هذه الفترة والّتي لم تزد عن سنة ونصف، فترة الأوج في العلاقة بين الحكومة الّلبنانيّة والحزب القومي السّوري الاجتماعي.
في العام 1938 قرّر أنطون سعادة اقامة فروع للحزب في الجاليات السّوريّة في امريكا الجنوبيّة والشّماليّة. لذلك سافر في هذه السّنة إلى المانيا، البرازيل والأرجنتين. في السّابع من تشرين الاول 1939 اعتقل عدد كبير من أعضاء الحزب بتهمة العمالة للأعداء، وذلك بسبب زيارة سعادة لألمانيا عام 1938، فقد استغلّت السّلطات الفرنسيّة في لبنان الزّيارة لألمانيا للتّأكيد أنّ الحزب يؤيّد المانيا النّازيّة ويتعاون معها. لكن رغم التّشابه في الطّريقة والأسلوب بين الحزب والفاشيّة النّازيّة، إلّا أنّه لا يوجد أي دلائل على وجود تعاون بين الحزب وألمانيا وايطاليا.
زار سعادة فروع الحزب في البرازيل ثمّ الأرجنتين، وفي هذا الوقت اندلعت الحرب العالميّة الثّانية فانقطع سعادة عن حزبه في لبنان وبقي في القارة الأمريكيّة حتّى العام 1947. من ناحية أخرى قامت السّلطات الفرنسيّة في السّابع من تشرين الأول 1939 بالإعلان عن الحزب خارجًا عن القانون، وفي حزيران 1940 قُدِّم عدد من أعضاء الحزب للمحاكمة، وكثيرون منهم كانوا رهن الاعتقال سنة أو أكثر دون محاكمة.
في اواسط عام 1941 قام وفد من شخصيّات لبنانيّة مرموقة بزيارة المندوب السّامي الفرنسي وطلبوا الإفراج عن أعضاء الحزب، وضمّ الوفد البطريرك الماروني كرّام والأمير أمين أرسلان وكميل شمعون وحسن خليل معتوق وشفيق ناصيف ومفتي لبنان، وقد لبّى المندوب السّامي طلب الوفد وأطلق سراح أعضاء الحزب، لكنّ ذلك كان أيّامًا معدودة قبل أن يستسلم للقوّات البريطانيّة وقوات فرنسا الحرّة.
(3)
إنّ هذا الأمر يؤكّد أنّ وضع الحزب لم يكن جيّدًا اثناء حكم حكومة بيتان الّتي كانت مدعومة من النّازيّين. وبعد الإفراج عن أعضاء الحزب بدأوا بتنظيم الحزب من جديد، لكنّ الحزب تطوّر ببطء بين طبقة المثقّفين، ونتيجة لانقطاع العلاقة مع سعادة، قرّر قادة الحزب تسييره بطريقة مغايرة لما أراد سعادة وكان ذلك في نيسان 1944 حين قدّم الحزب طلبًا للاعتراف به من جديد تحت اسم “الحزب القومي الاجتماعي” دون كلمة سورية ودون التّأكيد على وحدة سورية الطّبيعيّة، وقد حصل الحزب على الاعتراف المطلوب. ومن بين قادة الحزب، أصدقاء سعادة، مثل نعمة ثابت وأسد الأشقر وولسون مجدلاني ومأمون إياس.(3)
إنّ التّغيّرات الّتي حدثت في الفترة الّتي كان فيها سعادة بعيدًا ساعدت في تغيير اسم الحزب مثل ازدياد قوّة العروبة، خاصّة بعد اقامة الجامعة العربيّة، استقلال سورية ولبنان وشرق الأردن، وزاد تمسّك لبنان بوجوده المستقل المنفرد. لكنّ تعاظم قوّة هذه الأفكار، لم تمنع سعادة من مهاجمتها بشدّة بعد عودته إلى لبنان.
كان تطوّر الحزب بقيادة نعمة ثابت بطيئًا وضعيفًا، وكان الحزب مشغولًا في معالجة قضايا لبنان المستقل أكثر من انشغاله بالقضايا القوميّة كما أراد سعادة. رغم ذلك كانت الحكومة الّلبنانيّة تراقب نشاط الحزب، كذلك كان للحزب معارضون كالكتائب والنّجّادة والحزب الشّيوعي، رغم ذلك تطوّر الحزب عامي 1945 و1946 بين الشّباب المثقّفين خاصّة الطّلّاب الجامعيّين. (4)
في الثّاني من آذار 1947 عاد أنطون سعادة إلى لبنان والقى خطابًا امتدح فيه حزبه وأداءه في الظّروف الجديدة وأيّد إقامة دولة لبنان، لكنّه شدّد على أنّ الّلبنانيّين ليسوا إلّا جزءًا من الأمّة السّوريّة.
بعد الخطاب استدعي للتّحقيق، فنصحه أصدقاؤه بالاختفاء أشهرًا حتى يتوقف سخط بعض المعارضين لموقفه خاصّةً “الكتائب”، وأمرت الحكومة باعتقاله لكنّها لم تفلح.
(4)
في أيّار 1947 جرت انتخابات في لبنان. ونجحت الحكومة في هزم المعارضة، لذلك جدّدت محاولاتها لإلقاء القبض على سعادة الّا أنّ مساعيها باءت بالفشل. في تشرين الأوّل 1947 تمّ اتّفاق اعترف بموجبه سعادة بلبنان المستقل واُغلِق ملفّ قضيّته.
بعد عودة سعادة من الجبل إلى بيروت قام بإبعاد نعمة ثابت ومأمون اياس وأسد الأشقر بتهمة نقل الحزب من المبدأ القومي إلى الاقليمي، وهذا الأمر يضعف مبدأ القوميّة السّوريّة. لم يواجه سعادة أيّة معارضة على قراراته الّتي اتّخذها داخل الحزب، لأنّه اعتبر انسانًا لا يُخطئ، وكان لشخصيّته الكريزماتيّة تأثير كبير على أعضاء حزبه.
في صيف 1947 بدأ بتنظيم قيادة الحزب من جديد، وعيّن عددًا من الأعضاء الشّباب في قيادة الحزب، خصوصًا الطّلّاب الجامعيّين. اهتمّ بشكل خاص بقسم الثقافة والإذاعة، لأنّ هدفه كان التّأكيد بشكل واضح ولكل شخص أفكار الحزب وأيديولوجيّته.(5)
في هذه المرحلة شدّد في محاضراته الّتي كان قدّمها في نادي “النّدوة الثّقافية” الّذي أقامه، على القوميّة الاجتماعيّة، وقد جمع هذه المحاضرات أحد البارزين في الحزب، جورج عبد المسيح. في نهاية العام 1948. بدأت الحكومة بملاحقة الحزب وأعضائه، وفي نيسان 1949 منعت صحيفة الحزب”الجيل الجديد” من الصّدور.
في الثّلاثين من آذار 1949 قام الجيش السّوري بانقلاب عسكري بقيادة حسني الزّعيم، وهذا الانقلاب دفع الحزب القومي السّوري الاجتماعي لمحاولة انقلابيّة مشابهة في لبنان. في شهر ايّار 1949 اتّصل سعادة بحسني الزّعيم واقترح نفسه كحليف له في لبنان لاعتقاده أنّ الزّعيم مؤيّد لفكرة القوميّة السّوريّة ولتوحيد سورية الطّبيعيّة. في هذه الأثناء ضاعفت الحكومة من مراقبتها لنشاط الحزب وبدأت صدامات بين قوّات الأمن وبين أعضاء الحزب. في ليلة 9-10 حزيران 1949 حدثت صدامات دمويّة بين أعضاء الحزب وبين الكتائب في كفر الجمّيزة، فهرب أنطون سعادة إلى سوريّة، وبعد ثلاثة اسابيع قام حسني الزّعيم بتسليمه للبنان، وفي 8 تمّوز 1949 أُعدِم.
(5)
بعد سعادة استمرّ الحزب تحت اسم “الحزب القومي الاجتماعي”، وفي العام 1953 انتخب غسّان التويني، أحد أعضاء الحزب عضوًا في البرلمان الّلبناني، وفي 1954 انتخب اثنان من مرشّحي الحزب كأعضاء في البرلمان السّوري.
في العام 1958 كان الحزب القومي الاجتماعي والكتائب الحزبين الوحيدين الّلذَين أيّدا كميل شمعون، وهذا الموقف أدّى إلى الاعتراف بالحزب حتّى الأول من كانون الأوّل 1962 حين شُطِب الحزب بعد فشل محاولة الإنقلاب العسكري الّذي هدف إلى إسقاط حكم فؤاد شهاب، وقد وصل عدد المعتقلين من أعضائه في الثّاني من كانون الأوّل عام 1962، 1195 معتقلًا، ووصل العدد خلال شهر إلى ثلاثة آلاف، وفي المحاكمات الّتي جرت في تشرين الثّاني 1962 حُكِم على كثيرين منهم بالإعدام وحُكِم على الآخرين بالسّجن لفترات طويلة وبقي معظمهم في السّجن حتّى عام 1968.
بعد الإفراج عن أعضاء الحزب عام 1968، بدأت مرحلة جديدة في مؤتمر ملكارت في آذار 1969، وقد شدّد قادة الخط السّياسي الجديد على يساريّة الحزب وعلى أنّ منطلقاته اشتراكيّة، كما اعتبر أنّ منطلقات الحزب ليست مضادّة للعروبة، وقد لعبت عدّة عوامل في نشوء هذا التّيّار الجديد داخل الحزب منها:
1. نمو المقاومة الفلسطينيّة وتطوّر حركة الكفاح المسلّح وما أفرزه من جو ثوري على الشّعب العربي.
2. المسيرة الفاشلة للحزب خلال مرحلة وقوفه إلى جانب القوى الرّجعيّة في مواجهة حركة الجماهير الشّعبيّة (وقوف الحزب إلى جانب كميل شمعون عام 1958 ومحاولة الانقلاب الفاشلة ضد شهاب مثلًا).
3. هزيمة حزيران وتأثيرها على كافّة القوى والتّنظيمات الشّعبيّة.
أعلن قادة الحزب التزامهم بالثّورة الفلسطينيّة وتأييدها، وأعلن وقوفه إلى جانب القوى اليساريّة والوطنيّة في لبنان، وقد أدّى هذا الخط الوطني إلى انسحاب القوى اليمينيّة من الحزب، أمّا التّيّار اليساري الّذي قاده إنعام رعد فقد أصبح القيادة الرّسميّة للحزب وشارك خلال الحرب الأهليّة إلى جانب المقاومة الفلسطينيّة والحركة الوطنيّة الّلبنانيّة في مواجهة المليشيات اليمينيّة والجيش الّلبناني. أمّا عن مقاومة الاحتلال الاسرائيلي في إطار جبهة المقاومة الوطنيّة الّلبنانيّة فسنتحدث عنها بإسهاب في فصل قادم.
يتبع
//هوامش
1. Yamak.zuwwiyya, The Syrian Social Nationalist Party, An Ideological Analysis, Harward, 1969, pp.55-56
2.إيلات إلياهو، عودة صهيون والعرب، تل-أبيب، 1974، ص382 (بالعبريّة)
3. موسوعة السّياسة، المجلّد الثّاني، ص 309.
4. يمك، نفس المصدر، ص61-62.
5. يمك، نفس المصدر، ص64.