إميل توما ليس حكرًا للشيوعيين ولكنه شيوعي اولا

فاض بعطائه الفكري والعملي على ابناء شعبه ووطنه

إميل توما ليس حكرًا للشيوعيين ولكنه شيوعي اولا

                             بقلم: اسكندر عمل

في أواخر آب 2017 حلّت الذّكرى الثّانية والثّلاثين لوفاة رجل عظيم، مؤرخ القضية الفلسطينية، سياسي ماركسي لينيني حياة، نهجا وكتابة، انسان دمث، مقدِّس للوقت، قادر على العطاء دون جلبة او ضوضاء. الشيوعي العريق والمناضل المكافح من اجل حقوق الشعب العربي الفلسطيني ومن اجل النضال الطبقي اليهودي العربي من اجل المساواة الحقيقية، الدكتور اميل توما.

على تراب شوارع وادي النسناس آثار لا تزول حفرت سنوات تلو سنوات لوطأة قدميه من مكاتب تحرير “الاتحاد” الى مطابعها الى مؤتمر العمال العرب، ومكاتب “الجديد” في شارع صهيون ونادي اميل توما في درج الموارنة.

لا اريد في هذه المقالة ان اتحدث عن اميل توما المؤرخ فقد كتبت في مناسبات عديدة عن ذلك، لكني اريد ان اكتب عن اميل توما الانسان عن جوانب يمكن ان تبدو للبعض جانبية لا تأثير لها على مسيرة مؤرخ عظيم وسياسي يشار اليه بالبنان.

ايام الشباب وقبل ان التحق بالجامعة شاركت في اجتماع جماهيري للحزب الشيوعي في قريتي ابو سنان، وكان خطيب الاجتماع الدكتور اميل توما، لا اذكر الموضوع الآن ولا اذكر حيثيات الاجتماع يكني لا يمكن ان انسى التسلسل الهادئ المنطقي لمحاضرته. البعيد عن التعقيد القريب من فهم المشاركين كافة. ولا يمكن ان انسى كيف التففنا حوله بعد انتهاء الاجتماع فكان اجتماعا آخر دافئا شعرت فيه انني امام انسان عظيم وباحث كبير.

نتعجب نحن احيانا من الانتاج الغزير لهذا الكاتب او ذاك المؤرخ، كيف تسنى له ان يصل الى ما وصل اليه من مؤلفات هامة تعتبر مرجعا او مصدرا هاما وكاتبا ترك لنا تاريخا مجيدا ومصادر بحث لتاريخ القضية الفلسطينية وتاريخ الشرق الاوسط الحديث وغيرها من المواضيع الهامة التي تطرقت لها في كتابي “دراسات في مؤلفات الدكتور اميل توما” كالحركات الاجتماعية في الاسلام والسياسة الامريكية في الشرق الاوسط، فكيف اثرى مكتبتنا بهذا العطاء الجم رغم انشغاله في تحرير “الاتحاد” و”الجديد” والاجتماعات والمهرجانات والمبادرات الرائدة الكثيرة التي كان سباقا لعقدها كمؤتمر  الجماهير العربية ولجنة الدفاع عن الاراضي وغيرها من الاطر التي كان له فيها دور الريادة.

كان مؤرخنا دقيقا جدا في مواعيده، وهو امر يفتقده معظمنا في هذه الايام فاكثرنا لا يعرف كم بامكانه ان يفعل بالساعات الكثيرة التي يضيعها في امور لا فائدة منها او التي تذهب سدى بسبب عدم تنظيم الوقت والمحافظة عليه وعلى قدسيته، فتأخر ربع ساعة او نصف ساعة عن عمل اذا ما تكرر يوميا فهو يتحول الى سنوات لا نشعر باننا اضعناها لانها “سرقت” من حياتنا بشكل عبثي ولم نستفد منها.

لم اسرد هذا الحديث عبثا فقد كان الدكتور اميل توما جاري سنوات وكانت غرفة الضيوف في بيتي تطل مباشرة على شباك مطبخه، وكنت لسنوات اضبط ساعتي على موعد بدء افطاره الذي لم يتقدم ولم يتأخر عن السابعة ولا بدقيقة واحدة، من الممكن ان يعتقد البعض انني ابالغ ولكن هذه هي الحقيقة  التي كانت تزيد انفعالي وتقديري له ولاحترامه للوقت.

كم نحن بحاجة الى هذا الالتزام، اجتماعاتنا لا تبدأ في مواعيدها وان ضحك لنا الزمن تبدأ بعد نصف ساعة واحيانا اكثر. والمأساة ان عدم الالتزام هذا طغى على كل مجالات الحياة، حتى على المسرح فعروضنا المسرحية تبدأ احيانا بعد ساعة من موعدها المحدد ولا اريد ان اشير باصابع الاتهام الى جهة دون اخرى، فاحيانا يكون المسرح جاهزا وينتظر الممثلون وادارة المسرحية الى ان يزداد عدد الحاضرين لان الكثيرن يهلّون بطلعاتهم البهية على مهل واحيانا المسرح لا يكون جاهزا واحيانا……

ليس صدفة ان يطلق اسم قائدنا الشيوعي على نواد عديدة في قرانا ومدننا العربية، فهو اهل لذاك واطلق اسمه على نادي “الموارنة” منذ سنوات لكننا نهمل ونقول نادي “الموارنة” وحري بنا ان نقول نادي اميل توما، فلا يكفي اطلاق الاسم بل استعماله وكنت قد اشرت الى ذلك في مقال قبل سنوات ولكن الظاهرة ما زالت. حيفا كرّمت وستكرم باطلاق اسم اميل على مؤسساتها ونواديها وشوارعها او معاهدها ويزيدها ذلك شهرة محلية وعالمية, فمعهد اميل توما اصبح اسما وصلت سمعته ارجاء الكون وتنوعت فعالياته الثقافية والانسانية والادبية والسياسية، وبيت اميل توما البيت الذي ولد فيه اميل وترعرع اعلن بيتا في اطار حماية المعالم التاريخية لمدينة حيفا، واطلاق اسم اميل توما على شارع من شوارع وادي النسناس هو استمرار لمساع بذلناها وسنستمر في بذلها من اجل اطلاق اسماء قادة شعبنا وادبائه ومفكريه وشعرائه على شوارع او معالم حيفاوية، كي تبقى حيفا فينا ونحن فيها.

واخيرا ان أي محاولة لطمس او لاخفاء الوجه الشيوعي الاممي لاميل توما وهو الوجه الحقيقي الذي قضى حياته من اجل مبادئه وافكاره وكتب كتاباته التاريخية والادبية والاجتماعية من منطلقه الطبقي متخذا المادة التاريخية والمادية الديالكتيكية الجدلية نهجا علميا لم يحد عنه يوما. ان أي محاولة كهذه تعتبر تشويها لتاريخ هذا المفكر الشيوعي. صحيح ان اميل توما ليبس حكرا للشيوعيين ولكنه شيوعي اولا، قد فاض بعطائه الفكري والعملي على ابناء شعبه ووطنه، دون تمييز وارثه الثقافي والعلمي هو للجميع، ونحن جميعا سنسعى للمحافظة على هذا الموروث الثقافي متخذين من اميل توما نبراسا يضيء لنا طرق البحث العلمي.

(حيفا)

Post Tags:

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*
*