حدث في مثل هذا اليوم – 16 أيلول 1982

في 16 أيلول 1982 و بعد أن فاحت رائحة دم آلاف الشهداء الفلسطينيين واللبنانيين في صبرا و شاتيلا، أطلق الحزب الشيوعي اللبناني نداءه الشهير للجميع ان يلتحقوا بجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية في مواجهة العدو الإسرائيلي الذي دخل بيروت. جبهة المقاومة أكّدت في بيانها التأسيسي أنّ “واجب الدفاع عن الوطن هو أقدس واجب وأنّ شرف القتال ضد المحتل هو الشرف الحقيقي الذي ينبغي لكل مواطن أن يتفاخر به”.
عمليات نوعيه متتالية للمقاومة أرعبت قوات الاحتلال، عملية “بسترس” التي وقعت بعد يوم واحد من دخول القوات الإسرائيلية لبيروت، تلتها عملية “أيوب” التي أحرق فيها رجال المقاومة سيارتي نقل جنود إسرائيليين بمن فيهما من جنود. وتتالت عمليات المقاومة التي أرغمت جيش الاحتلال على الانسحاب من بيروت بعد عشرة أيام من دخوله إليها.
واستمرت مقاومة الاحتلال في منطقة البقاع الغربي و راشيا، فأفقدت العمليات العدو صوابه وبدأ بحملة اعتقالات طالت مئات الشبان. وقام ضابط الاستخبارات الإسرائيلية “أبو النور” بالتنكيل بأهالي البقاع الغربي بطريقة وحشية، وقد قامت المقاومة بتصفيته في موعد لاحق عام 1984.
في ربيع 1985 نجحت المقاومة في دحر جيش الاحتلال و طرده من البقاع الغربي وراشيا وأجزاء واسعة من الجنوب اللبناني. وأكملت نضالها في السنوات التي تلت ضد الاحتلال في الشريط الحدودي ونفذت عمليات نوعية في مناطق جبل الشيخ ومزارع شبعة المحتلة.
أثبتت جبهة المقاومة الوطنية الّلبنانيّة للّذين ادّعَوا جبنا أنّ العين لا تقاوم المخرز، وأنّ مقاومة المحتَل مغامرة خاسرة، أثبتت لهم وللعالم أنّ دحر الاحتلال لا يتحقّق إلا بالمقاومة والتّضحيات لا بالتّخاذل والاستسلام.
ناضلت الأحزاب الّتي كوّنت الجبهة، الحزب الشّيوعي الّلبناني والحزب السّوري القومي الاجتماعي ومنظّمة العمل الشّيوعي إلى جانب التّنظيمات الفلسطينيّة ضدّ الاحتلال الإسرائيلي وضحّى مناضلوها بأرواحهم في سبيل حرّيّة الوطن واستقلاله.
سأبدأ بحثي بسلسلة مقالات تعرض بشكل موسّع مركّبات الجبهة منذ نشوئها حتّى بداية الاجتياح الإسرائيلي للبنان.

بدأت الجبهة مقاومتها منذ اليوم الأوّل الّذي وطئت فيه قدم جندي احتلالي اسرائيلي ثرى بيروت، وأثبتت  للمحتل أنّ كثافة نيران أسلحته الّتي هدفت إلى إخماد حماس الّلبنانيّين، لن تفلّ من عزيمتهم واصرارهم على سحق وطرد هذا المحتلّ الغادر.
نفّذت جبهة المقاومة الوطنيّة الّلبنانيّة 1113 عمليّة عسكريّة، 907 منها ضدّ المحتل الإسرائيلي، و206 ضد  العملاء. وكانت خسائر المحتل من1982 حتّى  1990 حسب اعترافاته 390 قتيلًا و160 جريحًا و24 آليّة.  وخسائر العملاء بين 1987 و 1990 حسب اعترافات المحتل 20 قتيلًا و73 جريحًا و12 آليّة. وكان عدد  شهداء الجبهة 184 شهيدًا.
كتاب “الوقائع اليوميّة لمسيرة المقاومة الوطنيّة الّلبنانيّة ايلول 1982 – ايلول 1985 ” الصّادر عن المجلس الثّقافي للبنان الجنوبي”، يشرح بالتّفصيل عن المقاومة  والأساليب الّتي اتّبعتها في النّضال ضد المحتل في اطارين : المقاومة العسكريّة والانتفاضات الشّعبيّة.
في إطار المقاومة العسكريّة الّتي لاحقت العدو في مراكز تجمّعه الثّابتة والمتنقّلة، واستعملت المقاومة أساليب متنوّعة وأسلحة مختلفة حسب المناطق والظّروف ومن أنواع هذه العمليّات:
1 . العمليات الموجّهة ضد أهداف متحرّكة: قوافل، دوريّات وأفراد، ونُفِّذت هذه العمليّات بكثافة خاصّة في الفترة الممتدّة بين 1982 و1985، الفترة الّتي كان فيها جيش الاحتلال متواجدًا في أجزاء واسعة في لبنان، وقد تمّ تنفيذ هذه العمليّات إمّا عن طريق زرع ألغام تنفجر لدى مرور دوريات للمحتل، أو سيّارات مفخّخة أو عبوّات ناسفة موضوعة على جانب الطّرقات، أو الكمائن المسلّحة.
2. عمليّات موجّهة ضد مراكز وتجمّعات الاحتلال، كنسف مواقع ومراكز كما حدث في صور في تشرين الثّاني 1982 و1983 . في هذا الاطار كانت العمليّات الاستشهاديّة خاصّة بعد انحسار الاحتلال في الشّريط الحدودي.
3. الاشتباكات الّتي تأخذ شكل حرب عصابات، وكانت تجري عادة بعد عمليّة عسكريّة من نوع آخر كتفجير عبوَّة ناسفة مثلًا، ثمّ يتم الاشتباك مع القوّة الاحتلاليّة بشكل مباشر.
4. العمليّات الموجّهة ضدّ عملاء الاحتلال ومراكز تجمّعاتهم، وقد هدفت هذه العمليّات إلى ردع المنتسبين إلى “الحرس الوطني” و”الجيش الشّيعي” وهما تنظيمان متعاونان مع الاحتلال.
5. العمليّات المزدوجة: بدأ هذا النّوع من العمليّات في الذّكرى الثّانية لانطلاقة جبهة المقاومة الوطنيّة الّلبنانيّة، أي في صيف 1984، وهي تلك العمليّات الّتي لا تكتفي فيها المقاومة بتوجيه ضربة لمركز أو تجمّع أو آليّة للمحتل وعملائه، بل تنتظر وصول تعزيزات وعندها تنفّذ عملية أخرى وتكون عادة أكثر إيلامًا.
6. العمليّات النّوعيّة الجديدة داخل “الحزام الأمني”: هذه العمليّات أكّدت للمحتل أن لا حزام أمني يحمي حدوده الشّماليّة كما يدّعي، لأنّ المقاومة نجحت في الوصول إلى أيّة نقطة في هذا “الحزام” والقيام بعمليّات جريئة من أبرزها تدمير إذاعة وتلفزيون العميل انطوان لحد.  أمّا الانتفاضات الشّعبيّة فكان لها دور هام في مواجهة المحتل مع أول خطوة همجيّة له على الأراضي الّلبنانيّة، وكان للعمليّات الجريئة والنّاجحة الّتي نّفذتها جبهة المقاومة الوطنيّة تأثير في كسر حاجز الخوف الّذي فرضته القوّات الاسرائيليّة المحتلّة. وكانت هناك أشكال متعدّدة للمواجهة الشّعبيّة منها على سبيل المثال لا الحصر، رفض التّعامل مع المحتل أو استقباله، رفض المساهمة في إنشاء أجسام لخدمة الاحتلال مثل “الّلجان المحلّيّة” و”الحرس الوطني”، والتّحرّك النّسائي ضدّ المحتل كالقيام بمظاهرات من أجل المعتقلين، ورفض التّطبيع الاقتصادي ومقاطعة البضائع الاسرائيليّة والقيام بعمليّات ضد بعض المروّجين للبضائع الاسرائيليّة، كذلك رفض التطبيع الثّقافي مع المحتل والعمل على إفشال محاولة تعليم الّلغة العبريّة في بعض مدارس الجنوب الّلبناني، والّلجوء إلى حالة العصيان المدني والقيام بإضرابات واعتصامات محليّة في القرى والمدن عامّة شملت كل المناطق الواقعة تحت الاحتلال. وقد قامت مواجهات شعبيّة مباشرة مع قوات الاحتلال ولم تكن متكافئة، لكنّها أثمرت في كثير من المواقع مع أنّ الوسائل الّتي قاوموا بها كانت بدائيّة كالعصي والحجارة والزّيت المغلي والماء المغلي والإطارات المشتعلة.
بدأت العمليّات ضدّ الجيش الاسرائيلي في بيروت بعمليّة صيدليّة بسترس الّتي نفّذها ثلاثة رفاق من الحزب الشّيوعي الّلبناني، مازن وعمّار وفهد في الّليلة بين 20 و21 ايلول 1982  واستهدفت العمليّة دبّابتين اسرائيليّتين ومجموعة من الجنود في شارع مار الياس لجهة الزّيدانيّة، قرب صيدليّة بسترس، وكانت نتيجة القاء قنبلتين على الهدف، مقتل وجرح ثمانية جنود اسرائيليّين. في اليوم التّالي نفّذ الرّفاق الثّلاثة عمليّة في محطّة أيّوب،اطلق عليها “عمليّة أيّوب” والّتي أحرق خلالها المناضلون الثّلاثة مأللتين بمن فيهما من الجنود.
تتالت العمليّات ضدّ الاحتلال، ففي 24 أيلول تقدّم مقاتل في ثياب مدنيّة، مربوع القامة، بخطى ثابتة من رصيف مقهى “الومبي” في الحمرا حيث كان يجلس ضابط اسرائيلي وجنديّان، وعند وصوله على بعد مترين منهم سحب من تحت قميصه مسدّسًا رشّاشًا وأفرغ طلقاته في أجساد عناصر الاحتلال، رمى مسدّسه على الأرض وغادر بخطى سريعة في اتّجاه نزلة شارع عبد العزيز، ثمّ اختفى مهرولًا بين متفرّعاته والمباني المحيطة، أمّا المحصّلة فكانت مقتل الضّابط وجرح الجنديّين. بقي اسم هذا الشّاب مجهولًا إلى ما بعد الانسحاب الاسرائيلي من بيروت الكبرى، كان اسمه خالد عدوان من الحزب القومي السّوري الاجتماعي.
ولم تمر 24 ساعة على هذه العمليّة حتّى شهد شارع الحمرا عمليّة أخرى، فقد تمّ أطلاق نيران مكثّفة على دوريّة اسرائيليّة وتحدّثت الإذاعة الاسرائيليّة عن معركة بين الحركة الوطنيّة والجيش الاسرائيلي (الاتّحاد28.9.1982 ). كذلك تمّت في الّليلة ذاتها مهاجمة ثلاثة مواقع للاحتلال في بيروت الغربيّة بالصّواريخ، وقد أصيبت نتيجة لذلك مدرّعة في منطقة الرّملة البيضاء وجُرِح ثلاثة جنود من طاقمها. ونقلت الاتحاد الحيفاويّة عن وكالة الأنباء الفرنسيّة مقتل ضابط اسرائيلي وجرح جنديّين يوم السّبت 25.9.1982 (الاتّحاد 28.9.1982).
دهمت القوّات الاسرائيليّة منزلي جورج حاوي ومحسن ابراهيم وأحد فروع الحزب التّقدّمي الاشتراكي في المسطبة، ومحاولة دخول منزل كمال جنبلاط، وكل ذلك في محاولة لإرهاب قادة المقاومة الوطنيّة. (الاتّحاد28.9).
في 27 أيلول انسحبت القوّات الاسرائيليّة الغازية من بيروت بعد الضّربات المتتالية الّتي نفّدتها جبهة المقاومة الوطنيّة الّلبنانيّة، حتّى أنّ مكبّرات الجيش الاسرائيلي استجدَت أهالي بيروت عدم إطلاق النّار على جنوده وآليّاته لأنّ منسحب من بيروت.
تتالت العمليّات العسكريّة في منطقة عاليه ضدّ قوّات الاحتلال ففي 10 .10 .82 تمّت مهاجمة باص عسكري وأصيب في هذه العمليّة ضابط اسرائيلي بجراح(الاتّحاد 12.10.82). كذلك تمّت عمليّة أخرى في عاليه إذ اعترف النّاطق العسكري الاسرائيلي” أنّ سيّارة أوتوبيس اسرائيليّة وقعت في كمين نصبه مسلّحون بالقرب من الخطوط السّوريّة فقُتِل ستّة جنود وأُصيب 16 بجراح.
في 20.10 أصدر الحزب الشّيوعي الّلبناني بيانًا يدعو لإقامة مؤتمر وطني في جنوب لبنان لكل القوى  المقاومة للاحتلال.(الاتّحاد 22.10.82 ) وبعد أيّام صدر بيان محسن ابراهيم باسم منظّمة العمل الشّيوعي  والّذي دعا فيه إلى مواصلة القتال ضدّ المحتل حتّى طرده من الوطن (الاتّحاد 26.10.82 ).
في 25.10 هاجمت القوى الوطنيّة الّلبنانيّة سيّارة باص عسكريّة اسرائيليّة (هآرتس 25.10 ) واعترفت الإذاعة الإسرائيليّة عن إصابة جندي اسرائيلي في 22.10 نتيجة إطلاق قذيفة بازوكا على سيّارة عسكريّة اسرائيليّة، وعن حادث آخر إطلاق نار وقذائف بازوكا على حاجز للجيش الإسرائيلي جنوب بيروت (26.10 الاتّحاد).
في 11.11.82 سُجِّل التّحوّل الكبير في عمليّات رجال المقاومة ضدّ تجمّعات الاحتلال الإسرائيلي، بدء العمليّات الاستشهاديّة. فتى من دير “كانون النّهر” اسمه أحمد قصير ولقبه حيدر، قاد سيّارة محمّلة بمئتي كيلو غرام من المواد المتفجّرة واقتحم مقر الحاكم العسكري الاسرائيلي لمنطقة صور ودمّر المبنى المكوّن من سبعة طوابق فانهار على من فيه، وقد أدّت العمليّة إلى مقتل 75 وجرح 28 من الجنود وحرس الحدود وجهاز الشّين بيت، ومقتل 14 فلسطينيًّا كانت اسرائيل تحتجزهم في المبنى (الاتّحاد 16.11.82).
أكّدت صحيفة “دافار” في عددها الصّادر بتاريخ 21.11.82 عن تزايد نشاط المقاومة الوطنيّة ضدّ أهداف اسرائيليّة، وأنّ سيّارة حاكم صيدا العسكري الكولونيل فاردي هوجمت بالاسلحة يوم الجمعة الماضي (19.11) فأصيب بجراح وقُتِل جندي وجُرِح السّائق جراحًا خطيرة.
في 21.12.82 كتبت صحيفة هآرتس أنّ سيّارتين عسكريّتين اسرائيليّتين تعرّضتا لزخّات من الرّصاص بالقرب من مطار بيروت الدّولي،وأكّدت الصّحيفة أنّ مثل هذه العمليّات تكرّرت في الأسابيع السّابقة.
واختتمت جبهة المقاومة الوطنيّة الّلبنانيّة عام 1982 ببيان أصدرته، أعلنت فيه عن مسؤوليّتها عن عدد من الهجمات على أهداف للجيش الإسرائيلي (الاتّحاد 31. 12).

 

Post Tags:

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*
*