سعد الدين الشاذلي، بطل العبور – اسكندر عمل
- by منصة الراي
- October 14, 2017
- 0
- 1925  Views
- 0 Shares

في العاشر من شباط 2011 فارقنا من خطّط ونفّذ تحطيم فكرة الجيش الّذي لا يُقهر في حرب أكتوبر 1973 وجلب الفخر لمصر وشعب مصر وقوّات مصر المسلّحة. فارقنا وقد اطمأنّ أنّ النّصر الّذي حقّقه الجيش المصري بقيادته كرئيس لأركان حرب القوّات المسلّحة المصريّة لم يذهب هباء وأنّ شباب مصر يعيدون لمصر وللمصريّين حرّيتهم وكرامتهم.كانت وفاة بطل ومهندس حرب أكتوبر في اليوم الّذي أعلن فيه عمر سليمان عن تنحّي مبارك عن منصبه كرئيس للجمهوريّة وسقوط نظامه، هذا النّظام الّذي لم يُكرّم هذا البطل حين كرّم قادة حرب أكتوبر بل سجنه ثلاث سنوات بعد عودته من منفاه في الجزائر عام 1992 والّذي طال 14 عاما، رغم صدور قرار محكمة مدنيّة بأنّ الحكم الّذي صدر ضدّه غير قانوني ويُعتبر مخالفا للدستور.
عُيّن سعد الدين الشاذلي في السادس من أيّار عام 1971 رئيسا لأركان القوات المسلّحة المصرية، وكان ذا رصيد عسكريّ مشرّف، فقد برز دوره لنجاحه في اعادة معظم أفراد مجموعته العسكريّة من سيناء بعد الهزيمة التي مُني بها الجيش المصري في حرب 1967 ،وكان عدد أفراد المجموعة 1500 جندي، رغم انقطاع الاتصالات مع القيادة المصريّة والمسافة الطويلة التي تفصل بين الحدود الدوليّة وغرب القناة (200 كم).
وضع الشاذلي خطّة للهجوم واقتحام قناة السّويس وسُمّيت بخطة المآذن ، والتي تحوّل اسمها الى خطّة بدر أثناء التّنفيذ، وأساسها أنّ ضعف الدفاع الجوي المصري يمنع الجيش المصري من القيام بعملية عسكرية كبيرة. وحسب الخطة، الاكتفاء بعبور القناة وتدمير خط بارليف واحتلال 10-12 كم شرق القناة بطول الجبهة ، 170 كم، ثم التوقف والانتظار للمرحلة التالية التي تتطلب تخطيطا واستعدادات أخرى. وشرح الشاذلي في كتابه عن الحرب أسباب وضعه للخطة بهذا الشكل، فأكد أنه بعد تحقيق وتنفيذ الخطة ستُمنع اسرائيل من الهجوم على أجناب الجيش المصري الذي سيكون مرتكزا في الشمال على البحر المتوسط، وفي الجنوب مرتكزا على خليج السويس، ولن يستطيع الجيش الاسرائيلي الهجوم من المؤخرة لوجود قناة السويس. لذلك لا يبقى للجيش الاسرائيلي الا الهجوم بالمواجهة وهذا سيكلفه خسائر فادحة، وهذه نقطة ضعف الجيش الاسرائيلي اذ أنه لا يحتمل الخسائر البشرية، وثانيا ستطول الحرب وهذا سيؤثر على كل شيء في اسرائيل اقتصاديا اجتماعيا وسياسيا،لأنها اعتادت على الحرب الخاطفة القصيرة. كذلك، فبقاء القوات المصرية على هذا البعد عن القناة يعطيها تغطية الدفاعات الجوية ، صواريخ سام أرض-جو روسية الصنع والطائرات المصرية . وحتى لو توقفت الجيوش الاسرائيلية عن القتال عند هذا الحد ، فإنها ستستمر في حالة تأهب واستنفار وهذا بحد ذاته مكلف ومقلق لاسرائيل. أما التوغل في سيناء سيسهل على الجيش الاسرائيلي القتال ، اذ تفقد القوات المصرية الغطاء الجوي والمضادات الأرضية للطائرات.كانت هذه نقطة الخلاف الجوهرية مع السادات الذي طلب من وزير الدفاع أحمد اسماعيل علي أن يطور الهجوم شرقا وذلك في12 أكتوبر، وهذا ما عارضه الشاذلي لأنه حسب رأيه دخول القوات المصرية بعيدا عن مظلة الدفاع الجوي سيكون تقديم الجيش المصري كهدية للطيران الاسرائيلي.
بعد النجاح الهائل الذي حققه الشاذلي بعبور القناة وتدمير خط بارليف ومفاجأة الجيش الاسرائيلي وهزمه هزيمة نكراء والتقدم شرقا حسب الخطة 12 كم والتوقف والاستعداد للمرحلة القادمة ، جاءت الأوامر بالتقدم نحو ممرّي الجدي والمتلة،وهنا حدث ما توقعه الشاذلي وفشلت عملية التوسع شرقا، وهذا أعطى للقوات الاسرائيلية أن تبدأ بخطة “الغزالة” التي هدفت الى العبور الى غرب القناة وحصار القوات الموجودة شرقها.وكانت القوات التي كُلفت بتطوير الهجوم شرقا مسؤولة في الأساس عن حماية الضفة الغربية لقناة السويس ومؤخرة القوات المسلحة ، وغياب هذه القوات عن مهمتها الأساسية جعل ظهر الجيش المصري مكشوفا غرب القناة.
بمساعدة طائرة استطلاع أمريكية نجحت القوات الاسرائيلية في تحديد موقع ثغرة في الضفة الغربية لقناة السويس بين الجيش الثالث المصري في السويس والجيش الثاني في الاسماعيلية، وتم عبور القوات الاسرئيلية بقيادة أريئيل شارون الى الضفة الغربية في منطقة الدفرسوار في 16 أكتوبر. ونجح شارون في احتلال المنطقة بين الاسماعيلية والسويس وتم تطويق الجيش الثالث المصري بالكامل.لكنه فشل في احتلال السويس والاسماعيلية وتكبد خسائر كبيرة في محاولاته لاحتلالهما، وهذاجعل القوات الاسرائيلية في وضع صعب، لذلك طلب الشاذلي نقل أربعة ألوية مدرعة من شرق القناة الى غربها في 17 أكتوبر لتضييق الخناق على القوات الاسرائيلية غرب القناة والقضاء عليها نهائيا وكان هذا الأمر ممكنا، لكن السادات وأحمد اسماعيل علي رفضا ذلك وهذا أدى الى اتساع هوّة الخلاف بين السادات والشاذلي ووصل هذا الخلاف أوجه في13 كانون الأول 1973 حين سرّح السادات الشاذلي وعيّن الجمسي مكانه .
في العام 1978 عارض الشاذلي اتفاقية كامب ديفيد بين اسرائيل ومصر فترك وظيفته الدبلوماسية التي كان قد عيَّنه فيها السَّادات في لندن لإبعاده عن السَّاحة المصريَّة نظرًا لشعبيَّته التي فاقت كلّ حدّ، وأصبح لاجئا سياسيا في الجزائر حتى العام 1992 حيث قرر العودة الى الوطن رغم الحكم الذي كان قد صدر بحقه غيابيا بسبب اصداره كتابا دون اذن مسبق وادعاء المحكمة العسكرية بأنه أفشى أسرارا عسكرية وهذا الاتهام أنكره الشاذلي، وقضى ثلاث سنوات في السجن، ابتعد بعدها عن الأضواء.
نص خطاب الشاذلى الذي وجهه الى النائب العام
فيما يلي نص الخطاب الذي وجهه الفريق سعد الدين الشاذلي الى النائب العام المصري مطالبًا بمحاكمة أنور السادات:
أتشرف أنا الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية في الفترة ما بين 16 من مـايو 1971 وحتى 12 ديسمبر 1973، أقيم حاليا بالجمهورية الجزائرية الديمقراطية بمدينة الجزائر العاصمة وعنواني هو صندوق بريد رقم 778 الجزائر- المحطة بأن اعرض على سيادتكم ما يلي :
أولا: إني أتهم السيد محمد أنور السادات رئيس جمهورية مصر العربيـة بأنه خلال الفترة ما بين أكتوبر 1973 ومايو 1978، وحيث كان يشغل منصب رئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة المصرية بأنه ارتكب الجرائم التالية:
الإهمال الجسيم : وذلك انه وبصفته السابق ذكرها أهمل في مسئولياته إهمالا جسيما واصدر عدة قرارات خاطئة تتعـارض مع التوصيات التي أقرها القادة العسكريون، وقد ترتب على هذه القرارات الخاطئة ما يلي:
(أ) نجاح العدو في اختراق مواقعنا في منطقة الدفرسوار ليلة 15/16 أكتوبر 73 في حين انه كان من الممكن ألا يحدث هذا الاختراق إطلاقا.
(ب) فشل قواتنا في تدمير قوات العدو التي اخترقت مواقعنا في الدفرسوار، فى حين أن تدمير هذه القوات كان في قدرة قواتنا، وكان تحـقيق ذلك ممكنا لو لم يفرض السادات على القادة العسكريين قراراته الخاطئة.
(ج) نجاح العدو في حصار الجيش الثالث يوم 23 من أكتوبر 73، في حين أنه كان من الممكن تلافي وقوع هذه الكارثة.
تزييف التاريخ : وذلك انه بصفته السابق ذكرها حاول ولا يزال يحاول أن يزيف تاريخ مصر، ولكي يحقق ذلك فقد نشر مذكراته في كتاب اسماه (البحث عن الذات) وقد ملأ هذه المذكرات بالعديد من المعلومات الخاطئة التي تظهر فيها أركان التزييف المتعمد وليس مجرد الخطأ البريء.
الكذب : وذلك انه كذب على مجلس الشعب وكذب على الشعب المصري في بياناته الرسمية وفي خطبه التي ألقاها على الشعب أذيعت في شتى وسائل الإعلام المصري. وقد ذكر العديد من هذه الأكاذيب في مذكراته (البحث عن الذات) ويزيد عددها على خمسين كذبة، اذكـر منها على سبيل المثال لا الحصر مايلي:
(أ) ادعاءه بان العدو الذي اخـترق في منطقـة الدفرسوار هو سبع دبابات فقط واستمر يردد هذه الكذبة طوال فترة الحرب.
(ب) ادعاءه بأن الجيش الثالث لم يحاصر قط في حين أن الجيش الثالث قد حـوصر بواسطة قوات العدو لمدة تزيد على ثلاثة أشهر.
الادعاء الباطل : وذلك انه ادعى باطلا بأن الفريق الشاذلي رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية قد عاد من الجبهة منهارا يوم 19 من اكتوبر 73، وانه أوصى بسحب جميع القوات المصرية من شرق القناة، في حين انه لم يحدث شيء من ذلك مطلقا.
إساءة استخدام السلطة : وذلك أنه بصفته السابق ذكرها سمح لنفسه بان يتهم خصومه السياسيين بادعاءات باطلة، واستغل وسائل إعلام الدولة في ترويـج هذه الادعاءات الباطلة. وفي الوقت نفسه فقد حرم خصومه من حق استخدام وسائل الإعلام المصرية -التي تعتبر من الوجهة القانونية ملكا للشعب- للدفاع عن أنفسهم ضد هذه الاتهامات الباطلة.
ثانيا: إني أطالب بإقامة الدعوى العمومية ضد الرئيس أنور السادات نظير ارتكابه تلك الجرائم ونظرا لما سببته هذه الجرائم من أضرار بالنسبة لأمن الوطن ونزاهة الحكم.
ثالثا: اذا لم يكن من الممكن محاكمة رئيس الجمهورية في ظل الدستور الحالي على تلك الجرائم، فإن اقل ما يمكن عمله للمحافظة على هيبة الحكم هو محاكمتي لأنني تجرأت واتهمت رئيس الجمهورية بهذه التهم التي قد تعتقدون من وجهة نظركم انها اتهامات باطلة. إن البينة على من ادعى وإني أستطيع- بإذن الله- أن أقدم البينة التي تؤدى إلى ثبوت جميع هذه الادعاءات وإذا كان السادات يتهرب من محاكمتي, على أساس أن المحاكمة قد تترتب عليها إذاعة بعض الأسرار، فقد سقطت قيمة هذه الحجة بعد أن قمت بنشر مذكراتي في مجلة “الوطن العربي” في الفترة ما بين ديسمبر 78 ويوليو 1979 للرد على الأكاذيب والادعاءات الباطلة التي وردت في مذكرات السادات. لقد اطلع على هذه المذكرات واستمع إلى محتوياتها عشرات الملايين من البشر في العالم العربي ومئات الألوف في مصر.
(الفريق سعد الدين الشاذلي)