منزرع في أرض الوطن كورد أرضها (لإياس يوسف ناصر) – إسكندر عمل

*قراءة في قبلة بكامل شهرزادها لإياس يوسف ناصر*

  • في الدّيوان الثّاني للشّاعر استطاع أن يحدث نقلة نوعيّة في كتابته الشّعريّة خاصّة في توظيف المخزون الثّقافي والتّراثي والدّيني والإشارات الثّقافيّة في إثراء قصائد الدّيوان، كذلك التزام الشّاعر بقضايا شعبه الفلسطيني والظّلم الواقع عليه، والأمل الّذي لا يفارق أبياته الشّعريّة رغم المعاناة والواقع العربي الرّديء

إياس في هذا الدّيوان قلبه شراعه وإن كانت قصيدته الّتي تحمل هذا العنوان والتي  تستهل ديوانه قصيدة حبّ للوطن فهويعشق هذا الوطن بمدنه وقراه القائمة والمهجّرة ومنها طنطورة الّتي شوِّهت بخطأ مطبعي فشوّهت الوزن أيضًا. منزرع هو في أرض الوطن كورد أرضها وأزهاره وحبقه الّذي فاح عطره، وفي قصيدة في صفحات الدّيوان الأخيرة يجعل الحبق شاهدًا على تخلّفنا وقتلنا لنساء في عمر الورود والحبق.
عبّر شاعرنا عن العناق الأبدي بين الهلال والصّليب في قدس عربيّة يزرع فيها الحبق الحبّ:
دعني أغنّي… فلي في القدس مئذنة     تعانق الشّمع في ترتيلة الأحد
ولي هنا حبق.. يصحو على أملٍ         ويزرع الحبّ بين القلب والخلد
وفي القصيدة تأكيد على حقّنا التّاريخي في هذه الأرض وعلى الإصرار على البقاء على  هذه  الأرض:
هنا ولدتُ.. هنا أطلقت زقزقتي    هنا رفيقي.. هنا جدّي هنا ولدي
وفي طلليّته الجاهليّة الحديثة يقف ويبكي على أطلال قرى الوطن الّتي هُدمت وهُجِّرت لكنّه ينهي القصيدة بأمل حلو المذاق:
ذقنا الأمرّين..من أوجاع نكبتنا      والمرّ يبقى لأجل الأرض كالعسل
وفي قصيدة عين كارم يصف معاناة من اعتبرهم المحتلّون حاضرين غائبين يرون أرضهم وبيوتهم ولا يسمح لهم بالاقتراب منها وإن فعلوا يطردون ويحقّرون:
قد جئت يومًا إلى بيتي بقريتنا       قرعت بابي… فهبّ الصّوت ملتهبا
من أنت؟ من أنت؟ هيّا اذهبْ ولا تُرني      غراب وجهك… إنّي أكره الكذبا
والشّاعر حاسم في مواقفه ومصمّم على البقاء والنّضال:
ونحن نبقى كوجه الشّمس في وطني     من جاء يطردنا فليحترق غضبا
والغضب الّذي نراه في نهاية الشّطر الأخير يظهر صارخًا مزمجرًا في قانون برافر حيث يدعو الشّاعر إلى التّظاهرفي كلّ مكان من الوطن ضدّهذا القانون العنصري الّذي يبغي انتزاع البقيّة الباقية من الأرض العربيّة في النّقب:
مهما اعتقلتم أو جرحتم أوقطعتم صوتنا فلن يمرّ برافر
امّا الجمعة الحزينة فهي حزينة حقًّا لكنّ الشّاعر أجاد وأبدع فيها فالإشارات الثّقافية من الإنجيل وتوظيفها بشكل رائع وإبداعي أعطى للقصيدة زخمًا فنّيًّا فهو لم يكتف بالإشارات الثّقافيّة الّتي لم يكن الأوّل في استعمالها كالصّلب والجلجلة، فقد وظّف الجمعة الحزينة والنّور يوم السّبت والقيامة.
في قصيدة “شاعر عربي في فيينّا” يستمر في مأساة الصّلب الّتي يمرّ بها شرقنا ونهب الغرب لخيرات العراق ولا يهتمّون باحتجاج السّكّان أو صراخهم وهنا يوظّف الشّاعر المثل لإثراء أبيات قصيدته:
سلبوا العروبة في النّهار غنائمًا      وعلى القوافل…لا يضرّ نباح
(الكلاب تنبح والقافلة تسير).
رغم القهر ورغم الظلم ورغم المعاناة وهدم البيوت واقتلاع الحجر والشّجر يصرّ الشّعر في قصيدته ما تبقّى على أنّ الكثير قد تبقّى للحياة:
كلّ شيئ قد تبقّى للحياة!
إنّا نحبّ العيش مثل الآخرين
إنّا نصلّي للحياة
……..
نريد أن نحيا الحياة!
كي نكتب الشّعر المحلّى بالصّدى
كي نشرب الفجر المسافر في المدى
ونقول للأيّام أحلى الأغنيات…
يختتم إياسنا جولته الوطنيّة في هذه القصيدة ليبدأ شعرًا غزليًا عذبًا حلو المذاق، فمن لا يغريه الجمال وتذيبه القبلات. في قصيدة “لست يوسف يا أبي” قلب ما كان رأسًا على عقب فالأحد عشر كوكبًا تحوّلت إلى قبلات وتحوّل هو ومحبوبته إلى شمس وقمر وقميصه لم يقد لا من دبر ولا من…
القبلات في النصف الأخير من الدّيوان تشغل حيّزًا كبيرًا ولذلك اختار شاعرنا لديوانه هذا العنوان ففي قصيدة “عيب” عيب عليك تقبّل ثغرها    فكتبت أشعاري إليك بقبلة كانت على الشّفتين تعصر حبرها
وفي قصيدة “فالنتين”:
وإنّك القبلة النّجلاء في جسدي       وأنّك النّار في غابات تدخيني
أمّا في “نهوند”:
إن كان من شفتيك حبر قصائدي      فعلام أخشى أن تجفّ دواتي
وفي “حبيبتي والقصيدة”:
لا يستطيع الشّعر أن يبقى معي      إن قبلة هتفت وضمّكِ ساعدي
وفي قصيدة” أشتاقها”:
ونظرت في فمها المدوّر وردة     فتفتّحت عن قبلة أوراقها
أمّا في “رحم”:
فأراك قربي…تنزعين هواجسي        وتحرّرين بقبلة أعبائي
وفي “رحيل”:
ولقد أمرّ على ديار حبيبتي       كي أرتوي الشّفتين بضع ثواني
حتّى في قصيدة “لحيظة” ذات الأبيات الثّلاثة لا ينسى القبلة فيشرب الشّفتين خمرًا:
دعيني أشرب الشّفتين خمرًا    وأسكب من جرار القلب عشقا
في قصيدة “حنين”:
كثيرًا كثيرًا    أحنّ إليكِ  وليس كثيرًا…. وأرسم فوق يديك
بخطٍّ صغير مثير: أبانا أحبّكِ جدًّا   وقبلة آمين.
قصيدة العشاء الأخير الّتي يستوحيها من الإنجيل تعجّ بالقبل المعلنة وغير المعلنة:
عشاؤنا الآن سرّيّ… ويجمعنا       بالخبز والخمر اثنا عشر تقبيلا
فلا تخافي يهوذا في محبّتنا     ولا تخافي من المجهول مجهولا
ليس العشاء أخيرًا حين يجمعنا    حبّ وشوق…وطعم القبلة الأولى
ورغم العتاب في قصيدة “فلتخطبي” فهي لا تخلو من القبل:
إنّي نسيتك.. من سنين… ولم تزل        قُبل الغرام…على فمي تتبدّل
ما عدت أذكر من هواك غمامة      أو قُبلة…أو لمسة..تتسلّل
في”خارج عن المألوف” قبلته خارجة أيضًا عن المألوف فهي مكتوبة هذه المرّة:
أحبّي سكوتي حين أكتب قبلتي        أحبّي جنوني حين أصبح شاعرا
وينهي الشّاعر قصيدة “عيناك”:
إنّي سكتُّ الآن…حتّى تقطفي        مطر الجوى في موسم القُبلات
وفي قصيدة “فتيل” القبلة هي فتيل حبّه:
هذا فتيل القلب يا محبوبتي     فلتشعليه بقبلة وعناق
سافرت في عينيك دون نهاية  ووجدت في شفتيك ألف مذاق
في ” خرافة” يرى إياس أنّ محبوبته لن تكون جميلة حلوة المذاق بغير قبلته وقلبه:
خرافة…أن تصبحي حلوة     بغير قبلتي وقلبي أنا
في ” السّاعة” يغيب الشّاعر في القبلة :
كي أصبح في بضع ثوانٍ    منسيًّا في الثّغر الأطيب
وكي يحبّ شاعرنا الحياة أكثر وأكثر يطلب من محبوبته أن تعطيه ضمّة وثغرًا معطّرًا:
اسقني قبلة…فليس غريبًا     أن تحلّي فمي بقطعة سكّر
وفي”هواك” تقول المعشوقة   فطعم أنوثتي ملقاك   وموطن قُبلتي شفتاك
سكب شاعرنا أحاسيسه على الورق فشعرنا بحسّه الوطنيّ الصّادق وبصفاته الإنسانيّة النّبيلة ومشاعره الجيّاشة. ولأني اعتقد أنّ النقد البناء هو أمر هام وصحّي للموهبة الشّعريّة أودّ أن أشير إلى بعض النّقاط الّتي تطرّقت إلى إحداها في مقالتي عن الديوان الأوّل للشّاعر إياس ناصر، أنّ معظم قصائد الديوان على البحر الكامل  وهذا الأمر ليس نقيصة لكن على الشّاعر أخذ هذا الموضوع بعين الاعتبار. في قصيدة “خارج عن المألوف” يجب إعادة صياغة البيت الرّابع “أحبّك أن تصغي… وفي البيت الثّالث في قصيدة “عيناك” اعتقد أنّ التّشبيه غير موفّق كذلك استعمال كلمة “السّاحات” في البيت السّابع. وفي قصيدة “أُنظري في المرآة” هناك خلل في الوزن في البيتين الأوّل والثّاني.
إنّ الملاحظات البسيطة الّتي أوردتها لا تؤثّر على تقييم الديوان فهوالدّيوان الثّاني للشّاعر وقد استطاع أن يحدث نقلة نوعيّة في كتابته الشّعريّة خاصّة في توظيف المخزون الثّقافي والتّراثي والدّيني والإشارات الثّقافيّة في إثراء قصائد الدّيوان، كذلك التزام الشّاعر بقضايا شعبه الفلسطيني والظّلم الواقع عليه، والأمل الّذي لا يفارق أبياته الشّعريّة رغم المعاناة والواقع العربي الرّديء.
فألف تحيّة لشاعرنا إياس يوسف ناصر ونحن في انتظار دواوين جديدة وأبحاث فأنت لست شاعرًا فقط بل باحثًا في  لغتنا العربيّة الجميلة وننتظر عطاءك في هذا المجال أيضًا.

 

Post Tags:

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*
*