الاستعمار الفرنسي للجزائر العربيّة (2) – اسكندر عمل
- by منصة الراي
- January 6, 2018
- 0
- 6569  Views
- 0 Shares

- لم تنتهِ مقاومة الجزائريّين للاستعمار الفرنسي بعد استسلام عبد القادر، كذلك لم ينتهِ التّنكيل ومصادرة الأراضي والمواشي (لم ننسَ الدّوريّات الخضراء في النّقب) والاستيطان الكولونيالي على أرض الجزائر العربيّة (وهنا لا حاجة للتّذكير فالاستيطان لا يزال جاثمًا على الأراضي الفلسطينيّة).
* المقاومة بعد دي ميشيل
استغلّ عبد القادر فترة الهدوء وركّز جلّ اهتمامه بالجيش، فقد ألّف جيشًا نظاميًّا قوامه عشرة آلاف جندي بالإضافة للقوّات غير النّظاميّة من متطوّعي القبائل الّتي بلغ عددها حوالي سبعين ألف شخص. وكان لدى عبد القادر ستّة وثلاثون مدفعًا، واستعان بمدرّبين من المغرب وتونس لتدريب الجيش النّظامي، وشيّد الثّكنات والحصون وأنشأ معملًا لصبّ الحديد ومعملين للبارود ومصنعًا للنّسيج.( لوتسكي، تاريخ الأقطار العربيّة ص207)
أجرى عبد القادر عددًا من الإصلاحات في المجال الاجتماعي للحدّ من التّعسّف الإقطاعي، وألغى نظام بيع المناصب، وحاول حماية العرب الرّحل والفلّاحين من جور الإقطاعيّين، وبهذا قلّص الحكم المطلق الّذي كان يتمتّع به الإقطاعيّون، وهذا أدّى إلى حقدهم وتآمرهم عليه وتحالفهم مع الفرنسيّين ضدّه وضدّ دولته الّتي أقامها رغم أنف الفرنسيّين.
نقض الفرنسيّون معاهدة دي ميشيل عندما عقد حاكم وهران اتّفاقيّة مع قبيلتي ” الدّوير” و”سميلة” المعاديتين للأمير وجعلهما خاضعتين للفرنسيّين، فاحتجّ عبد القادر لكنّ احتجاجه لم يلقَ آذانًا صاغية، فباغت في 28 حزيران 1835 فرقة فرنسيّة في مكان يسمّى ” مقطع”، فشرّدها وقتل أكثر من خمسمئة من رجالها. وقد أدّت هذه المعركة إلى إقالة الحكومة الفرنسيّة لحاكمي الجزائر ووهران وتعيين “كلوزيل” حاكمًا عامًّا على الجزائر بصلاحيّات واسعة. وكان تخطيطه القضاء على الدّولة الوطنيّة الجزائريّة قضاء نهائيًّا.
جهّز المارشال كلوزيل جيشًا مؤلّفًا من أحد عشر ألف مقاتل معظمهم من قبيلتي الدوير وسميلة وهاجم مدينة “المعسكر” عاصمة عبد القادر، فانسحب منها عبد القادر ونهبها الفرنسيّون وأحرقوا معظمها، ثمّ احتلّ مدينة تلمسان وارتكب فيها من الفظائع ما يفوق الوصف.
لكنّ عبد القادر ما لبث أن أنزل بالفرنسيّين هزيمة نكراة في معركة “سيدي يعقوب” واستطاع أن يسترجع كل ما احتلّه الفرنسيّون، فأرسلت الحكومة الفرنسيّة امدادات كبيرة بقيادة الجنرال”بيجو”، وبعد سلسلة معارك وُقِّعت في 30 آذار 1837 معاهدة “تفنة” بين الفرنسيّين وعبد القادر، اعترف بموجبها الفرنسيّون بحكم عبد القادر ليس على غرب الجزائر فقط بل على وسط الجزائر أيضًا، إذ تخلّت فرنسا عن مدن رشفون وتفنة وتلمسان وتيطري ولم يبق للفرنسيّين سوى مدينة الجزائر وبعض ضواحيها.
في تشرين الأوّل 1837 سيّر الفرنسيّون جيشًا لاحتلال قسنطينة وقد وقعت معركة شديدة بين الجزائريّين والفرنسيّين، ودار القتال في الشّوارع وفي كلّ زاوية، لكنّ القائد الجزائري في المدينة اضطر للتّقهقر والانسحاب إلى الجبال، واحتلّت القوّات الفرنسيّة قسنطينة.
بعد احتلال قسنطينة استعمل القائد الفرنسي الجنرال بيجو كل صور حرب الإبادة وهذا يظهر في اعترافات لقوّاد فرنسيّين. المؤرّخ أندره جوليان كتب نقلًا عن مذكّرات الجنرال آرنو أحد قوّاد بيجو” نحن بين مليانة وشرشال، وانّنا قلّما نطلق نار بنادقنا، بل انّنا نحرق المنازل والقرى والأكواخ فيفرّ العدوّ أمامنا آخذًا معه قطعانه.(الجزائر العربيّة ص80 )
وفي مكان آخر من المذكّرات يقول:” إنّ بلاد بني منصور بلاد جميلة ، لقد حرقنا كل شيء فيها وهدمنا كلّ بناء…هي الحرب! آه من الحروب ومن ويلاتها، فكم وكم من النّساء والأطفال الّذين فرّوا أمامنا والتجأوا إلى ثلوج جبال الأطلس فهلكوا فيها بردًا وجوعًا (الجزائر العربيّة، ص 80). وهناك الكثير من النّصوص على لسان جنود وقادة فرنسيّين، تثبت الوحشيّة الّتي تعامل بها المحتلّ الفرنسي مع السّكّان الأبرياء.
بعد هذه الأعمال في شرق الجزائر، اعترفت القبائل هناك بعبد القادر قائدًا لها وطلبت منه ارسال مفوّضيه إلى مناطقهم ، فاعتبرت فرنسا ذلك خرقًا لمعاهدة الصّلح، فأضرموا ضدّه نار حرب جديدة، طالت أربع سنوات ، التجأ بعدها إلى المغرب .
* الحرب الفرنسيّة المراكشيّة عام 1844
وجّه الجنرال بيجو انذارًا للسّلطان المراكشي مطالبًا إيّاه تسليم عبد القادر، وعندما رفض السّلطان المراكشي هاجم بيجو مراكش ودحر الجيش المراكشي في آب 1844 ، وأجبر سلطان مراكش على توقيع معاهدة صلح طنجة في أيلول 1844 تعهّد فيها بنفض يديه من مساعدة عبد القادر واعتباره خارجًا عن القانون.
عاد عبد القادر إلى صحراء الجزائر بعد صلح طنجة، وكانت قد نشبت في هذه الفترة (1845) انتفاضة شعبيّة بقيادة الرّاعي أبو معزى، وكان سببها نهب الأراضي ومصادرة أراضي القبائل الثّائرة. وكان قد صدر في العام 1843 مرسوم لمصادرة الأوقاف، وفي تمّوز 1846 أُعلِن عن جميع الأراضي الّتي لا مالك لها كملك للحكومة، وطُلِب من القبائل أن تبرز مستندات تثبت الملكيّة، وكان هذا الأمر متعذّرًا في معظم الحالات فصودِرت الأرض.( ما أشبه اليوم بالأمس) واستغاث بطل الثّورة أبو معزى بعبد القادر وسلّمه قيادة الانتفاضة، وزادت فرنسا من قوّاتها المسلّحة في الجزائر، فوصل في هذا العام 108 آلاف جندي وزاد كل من بليسييه وآرنو من عمليّات التّنكيل وردم الكهوف في الجبال على من فيها من النّساء والأطفال.
لم يستطع عبد القادر الصّمود أمام الفرنسيّين فلجأ إلى الصّحراء وبقي يناوش الفرنسيّين إلى أن استسلم عام 1847 ، بعد تخلّي السّلطان المراكشي عن مساعدته.
لم تنتهِ مقاومة الجزائريّين للاستعمار الفرنسي بعد استسلام عبد القادر، كذلك لم ينتهِ التّنكيل ومصادرة الأراضي والمواشي (لم ننسَ الدّوريّات الخضراء في النّقب) والاستيطان الكولونيالي على أرض الجزائر العربيّة (وهنا لا حاجة للتّذكير فالاستيطان لا يزال جاثمًا على الأراضي الفلسطينيّة).
بعد استسلام عبد القادر لم تتوقّف حركة المقاومة الجزائرايّة للاستعمار الفرنسي، فقد نشبت عدّة ثورات في الفترة ما بين 1847 و1956 ، وقد عبّرت عن المقت الّذي “يكنّه” الجزائريون للفرنسيّين، ومن أهم هذه الثّورات ثورة “بوزيان”، وهو شيخ طريقة ثار في جنوب الجزائر، فقام الفرنسيّون بصبّ جام غضبهم عليه فهدموا منازل قبيلته والقرى الّتي انضمّت تحت لواء ثورته، قطعوا الأشجار وأبادوا الزّرع ونكّلوا بالسّكّان. ومن هذه الثّورات ثورة بلاد “قبيلي” في منطقة جبليّة وعِرة غرب مدينة الجزائر واستمرّت الثّورة أعوامًا عديدة إلى أن استطاع الفرنسيّون القضاء عليها. وثورة “أبو عمامة” في غرب الجزائر ودامت عشرات السّنين، كذلك نشبت انتفاضات عديدة منها انتفاضة “واحة الأغواط” 1854 ، وانتفاضة واحة “تقرت”. وفي العام 1871 اندلعت انتفاضة وطنيّة تحريريّة كبيرة بقيادة الشّيخ محمّد المقراني وغيرها من الانتفاضات.
* ممارسات الاستعمار الفرنسي في الجزائر
في السّنوات الأربعين الأولى من الاحتلال الفرنسي للجزائر لم يكن هناك خطّة مرسومة واحدة لطريقة التّعامل مع الجزائر، فأحيانًا أرادوا ، ان تتحوَّل إلى مستعمرة للإسكان، وأحيانًا فكّروا في ضمّها للبلاد الفرنسيّة مباشرة…وخلال هذه الفترة بدأت تنشأ الشّركات الاستعماريّة الرّأسماليّة في الجزائر بالتّتالي، فقد نشأت عام 1863 شركة تسليف عقاري استعماري، وفي عام 1865 شركة تسليف مرسيليّة، وشركة معادن، وشركة عامّة للنّقليّات البحريّة.ويظهر الاستعمار كاعلى مرحلة من مراحل الرّأسماليّة في تصريحات المستعمرين الفرنسيّين، فهذا جول فيري يقول:” إنّ لفرنسا الّتي استفرغت كثيرًا من رؤوس الأموال وصدّرتها إلى الخارج بكميّات كبيرة،مصلحة في أن تنظر إلى المسألة الاستعماريّة من هذه النّاحية، انّها قضيّة الأسواق بالنّسبة لبلاد كبلادنا، مدعوّة بسبب من طبيعة نفسها وصناعتها إلى أن تصدّر صادرات عظيمة، فحيث السّيادة السّياسيّة تكون سيادة المنتجات” السّيادة الاقتصاديّة”.(جان بول سارتر، عارنا في الجزائر، ص9 )
في العام 1884 أقامت فرنسا الاتّحاد الجمركي وهو الّذي يؤمّن احتكار السّوق الجزائري للصّناعة الفرنسيّة، فقد كانت الصّادرات من الجزائر ضئيلة إذا ما قورنت بالواردات إليها.
ومن القواعد الهامّة الّتي ارتكز عليها الاستعمار الاستيطاني الفرنسي في الجزائر، الأرض. وقد استعمل الفرنسيّون كلّ الوسائل ليصادروا الأراضي الجزائريّة، وسأعطي أمثلة لتوضيح بعض وسائل المصادرة ونهب الأراضي الّتي تشابه إلى حدّ كبير طرق مصادرة الأراضي العربيّة في بلادنا.في العام 1851 صدر قانون يلخّص كل القوانين “الزّراعيّة” الفرنسيّة وهو يبيّن أصناف الأراضي الّتي كانت خاضعة للمصادرة لصالح السّلطات الفرنسيّة ومن ضمنها الغابات،وقد حصل الفرنسيّون عن طريق نزع ملكيّة الغابات على أكثر من مليوني هكتار من الأراضي القابلة للاستصلاح. كذلك قانون “نظام الإنزال” والّذي ينصّ على أنّ الأراضي القبليّة هي للاستعمال فقط وليس للتّملّك.، لذلك كان على القبائل أن تعيد الأراضي الفائضة للدّولة وعندها قط تعترف الدّولة ببقيّة الأراضي كملكيّة لهذه القبائل…. وكانت من نتائج هذه القوانين الجائرة وغيرها، انتقال الأراضي العربيّة الجزائريّة للمستوطنين الفرنسيّين. ففي عام 1850 كانت أملاك المستعمرين 115 ألف هكتار وفي العام 1900 ارتفعت إلى مليون وستمئة ألف هكتار وفي العام 1950 إلى مليونين وسبعمائة ألف هكتار. وامتلكت الحكومة الفرنسيّة أحد عشر مليون هكتار أخرى كأراضٍ أميريّة.
إنّ النّتائج كانت وخيمة على الفلّاح الجزائري، فقد كان الفرد الجزائري في 1871 يتمتّع بخمسة قناطير من الحبوب، انخفضت في عام 1901 إلى أربعة قناطير وفي عام 1940إلى قنطارَين ونصف القنطار وعام 1945 الى قنطارَين. وكان ذلك نتيجة لفرنسة الملكيّة وتجزيئها وتضييق الملكيّات الفرديّة العربيّة. أمّا الانتاج الزّراعي في العام 1950 فكانت قيمته 138 مليار فرنك، انتاج الأوربيّين منه 91 مليار فرنك، وكلّ هذا الانتاج الّذي يبلغ ثلثي الانتاج الزّراعي يذهب إلى فرنسا. واستطاع الفرنسّون المستعمرون تصنيع الزّراعة في الأراضي الّتي يفلحونها وهذا أدّى إلى البطالة بين الفلّاحين، فازدادت الهجرة إلى المدينة ونما عدد البروليتاريين في المدن الّذين لم يجدوا عملًا، وكان معدّل عمل العاملين منهم تسعين يومًا في السّنة.
كما اتّبع الفرنسيّون سياسة التّجهيل في الجزائر وكانت نسبة الأمّيّين عند نشوب الثّورة عام 1956 80% من السّكّان، كذلك اتّبعوا سياسة الفرنسة منذ اليوم الأول للاستعمار الفرنسي في الجزائر، إذ أصبحت الّلغة العربيّة لغة أجنبيّة في الجزائر منذ العام 1830 وأُجبر النّاس على التّحدّث بالفرنسيّة.
(يتبع)