عبد النّاصر، بطل واجه القضايا حتى النهاية (3) – اسكندر عمل
- by منصة الراي
- January 18, 2018
- 0
- 5077  Views
- 0 Shares

*مبدأ أيزنهاور هدف إلى ضرب حركة التّحرّر القومي العربي تحت غطاء صد” الخطر الشّيوعي”.
*اختراق القوّات المصريّة للحصار الّذي طوّقت به الامبريالية سوريا بعد رفضها لمبدأ أيزنهاور، أكّد تماماً التزام مصر، وردع مخطّطات العزل والعدوان.
* توحيد مصر وسوريا أحدث نقلة نوعيّة في المد القومي العربي : انهيار مبدأ أيزنهاور، سقوط حكم شمعون في لبنان، وانهيار الحكم الهاشمي في العراق
*دعم الثّورة اليمنيّة كان في لب الصّراع بين المد القومي التّقدّمي الّذي قادته مصر وبين تحالف الامبرياليّة والرّجعيّة العربيّة والصّهيونيّة.
فشل العدوان الثّلاثي على مصر في تحقيق أهدافه ، وهزم هزيمة ساحقة ، وسقطت هيبة الدّول الاستعماريّة الغربيّة ، فكان ذلك في صالح الامبرياليّة والاحتكارات الأمريكيّة الّتي لم تشترك مع القوّات الانجليزيّة الفرنسيّة في عدوانها على مصر، لأنّ اشتراكها إذ ذاك يعني أن تتقاسم مع الإمبراطوريتين النّفوذ في هذه المنطقة، وهي تريد الانفراد بالنّفوذ وحدها، لهذا فضّلت إدانة العدوان الثّلاثي ، لكنّها لم تمض في إدانتها إلى حد اتّخاذ خطوات عمليّة عسكريّة مشتركة لوقف العدوان كما اقترح الاتحاد السّوفييتي، لأنّ ذلك يعني القضاء نهائياً على التّحالف الغربي، وهذا ما لا تريده الاحتكارات الأمريكيّة لأنّها لا تنسى أنّ عدوّها الألد هو الاتحاد السّوفييتي والمعسكر الاشتراكي ثم حركات التّحرر في المستعمرات.
في هذه الظّروف وفي الخامس من حزيران 1957 بعث الرّئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور برسالة إلى الكونغرس أبرز فيها نتائج حرب السّويس من حيث إضعاف مواقع الدّول الغربيّة ، ثمّ عدّد مشاكل المنطقة وحذّر من أخطار الشّيوعيّة العالميّة وطلب من الهيئة التّشريعيّة الأمريكيّة تخويله صلاحيّات تمكّنه من مواجهة أخطار العدوان الشّيوعي ، وقد أقرّ الكونغرس ما جاء في الرّسالة وخوّل الرّئيس صلاحية استخدام القوّات الأمريكيّة المسلّحة” لضمان وحماية” استقلال وتكامل كل أمّة في الشّرق الأوسط تطلب مساعدتها على صد عدوان مسلّح يصدر عن أي قطر يقع تحت سيطرة “الشّيوعيّة الدّوليّة”، وخوّله تزويد تلك الأقطار بالمساعدات العسكريّة وعرفت هذه القرارات بمبدأ أيزنهاور.(إميل توما، نفس المصدر)
انتسبت الحكومات الرّجعيّة العربيّة في العراق ولبنان ولينيا والسّعوديّة ، واتّضح أنّ القصد من هذا المبدأ أن تحارب الولايات المتّحدة عمليّة التّحرر القومي العربي .وهذا الأمر ظهر على شكل فلتات في رسالة أيزنهاور إلى الكونغرس “ينبغي أن أضيف أن الوطنيّة ، في هذه المنطقة عاطفة قّويّة…ولكنّ الخوف أحياناً يشوّه الوطنيّة الحقّة إلى تعصّب والى مغريات خطيرة من الخارج.”وهذه نغمة قديمة فالحركة الوطنيّة دائماً كانت في نظر الدّوائر الاستعماريّة تعصّباً !ولكن النّغمة الجديدة ، هي قبول “مغريات من الخارج “.وفي مكان آخر في الرّسالة يقول أيزنهاور “في الموقف القائم الآن ، يكمن الخطر الأكبر ، كما هو الحال غالباً، في إساءة تقدير بعض المستبدّين الطّامحين”.وكلمة مستبد ومستبدّين استعملها أقطاب العدوان الثّلاثي لتبرير عدوانهم على مصر ، فقد نعتوا الرّئيس عبد النّاصر بهذا النعت وغيره . ومن هنا يمكننا أن نرى أنّ أحد ألأهداف الرّئيسيّة لهذا المبدأ، هو الحصار السّياسي عن طريق عزل مصر ، ثمّ الضغط على سوريا الّتي طوّرت دورها في الحركة القوميّة للدّخول في مبدأ أيزنهاور ، وعندما رفضت مصر ذلك ، بدأت الولايات المتّحدة بالتّفكير في غزو سوريا ، وقد حوصرت سوريا حصاراً عاماً ، تحرّكت الجيوش والقوّات من كل الجهات ، القوّات الّتّركيّة في الشّمال والعراقيّة والأردنيّة في الشّرق (بعد التّآمر على الحكم الوطني في الأردن برئاسة سليمان النّابلسي وإسقاطه ودخول الأردن في مبدأ أيزنهاور) ، ثمّ تحرّك الأسطول السّادس في اتّجاه السّواحل .. وأعطيت الإشارة لكل القوى السّورية المعاديّة في الدّاخل والخارج. وقد أكد عبد النّاصر رغبة الولايات المتّحدة لكسر شوكة حركة التّحرر العربيّة من أجل السّيطرة على النّفط في هذه المنطقة ، وأضاف أنّ التآمر “لا يتّجه إلى سوريا وحدها وإنما هدفها الأصيل هو القوميّة العربيّة ووحدتها .”
في هذه الأجواء بدأت تحركات جديدة في العلاقات الأمريكيّة الاسرائيليّة هدفها ضرب حركة التّحرر العربيّة ، متذرعة بأخطار الشّيوعيّة في المنطقة ، فقد كتب وزير الخارجيّة الأمريكي جون فوستر دالاس في آب 1957 إلى بن غور يون :”إني متأكد أنّك تشاركني فزعي من التّطورات الأخيرة في سوريا ونحن ندرس المشكلة بإمعان ونرغب في تبادل الرّأي مع حكومتك في هذا الموضوع في القريب العاجل.” أمّا بن غور يون فكتب :”كان تحويل سوريا إلى قاعدة للشّيوعيّة الدّوليّة أحد اخطر الأحداث الّتي واجهها “العالم الحر” ، وأود أن ألفت انتباهك إلى المصائب النّاتجة عن نجاحها في توطيد أقدامها في الشّرق الأوسط، ..وكل شيء يعتمد على الخط الحازم الّذي تتخذه الولايات المتّحدة .”(ميخائيل بار زوهر، النّبي المسلّح _حياة بن غوريون )
في هذه الأزمة الخطيرة لم يختر عبد النّاصر الطّريق السّهل ، فقد أدرك أن هذا الحصار لسوريا ليس موجّهاً لها فقط بل لكل القوى التّقدميّة في العالم العربي والأنظمة المعاديّة للاستعمار والصّهيونيّة ولذلك وبخطوة جريئة اخترقت القوّات المصريّة الحصار البحري وأضافت عاملاً حاسماً إلى القوى الوطنيّة والتّقدّميّة في سوريا ، وأكّدت تماماً التزام مصر.وردع نزول القوّات المصريّة في سوريا مخططات العزل والعدوان وبدلاً من عزل البلدين ، وهذا ما سعى إليه المتآمرون والمعتدون ، توثّقت الصّلات..وازدادت إحكاما.
من ناحيّة أخرى تحرّك الاتحاّد السوّفييتي دوليّاً وأنذر تركيّا ودول حلف بغداد وشلّت تماماً مشاريع الغزو والانقلاب، الّتي كانت على حافّة التّنفيذ.
في شباط 1958 وبعد إفشال سلسلة المؤامرات التي حيكت للإطاحة بالأنظمة التّقدميّة في مصر وسوريا ، أعلنت الأخيرتان اتّفاقهما على الالتحام في دولة عربيّة واحدة تكون نواة الوحدة العربية.وقلبت الوحدة كل الموازين وفجّرت سيلاً عارماً من الثّقة والأمل.وهنا لا بدّ من الإشارة قبل الخوض في أهميّة هذه الوحدة ودورها الهام في إفشال مبدأ أيزنهاور وسقوط حلف بغداد، إلى أنّ من واظبوا على تجريح مسيرة عبد النّاصر ، يقفزون عن ثلاث سنوات كي يصلوا إلى فك الوحدة ، متناسين الانجازات العظيمة التي حقّقتها الوحدة.
لقد أصبحت الوحدة العربيّة بقيادة عبد النّاصر الخطر الأول بالنّسبة للسّياسة الأمريكيّة في الشّرق الأوسط ، ولم تخف هذا قط في التّصريحات العلنيّة أو الخطط الخفيّة.ومن ناحية أخرى كانت هذه الوحدة حبلاّ يلتف حول عنق إسرائيل وعلى عنق كل النّظم والدّول العربيّة الموالية للغرب والولايات المتّحدة.
فجّر توحيد مصر وسوريا في الجمهوريّة العربيّة المتّحدة حماس الجماهير العربيّة فكان التّمرد المسلّح في لبنان بسبب انضمام حكومة كميل شمعون لمبدأ أيزنهاور، فقد هبّت كل القوى النّزيهة وأكّدت أنّ واقع لبنان الخاص لا يأمن ولا يتحقّق إلا في الإطار القومي العربي وبدأت محاولات الولايات الّتي هدفت إلى إيجاد مبررات لممارسة مبدأ أيزنهاور، خاصة وأنّ الصّراع في لبنان كان داخليّاً ولم تستطع الولايات المتّحدة الادّعاء بوجود” خطر شيوعي”.في 7.1958 .14 اندلعت ثورة تمّوز في العراق ونجحت في القضاء على الملكيّة الهاشميّة من جذورها وعلى حكم نوري السّعيد الموالي للامبرياليّة البريطانية، وبهذا تقوّض ركن أساسيّ من أركان حلف بغداد ، أداة التآمر الامبريالي الرّجعي على العالم العربي ، فقد كان كل شيء آمناً بالنّسبة للامبرياليّة طالما لم يمس الحزام الشّمالي الّذي ابتدعه دالاس من باكستان إلى إيران إلى العراق إلى تركيّا، وكان العراق حلقة الوصل الرّئيسيّة بينها، وكان العراق دولة بتروليّة رئيسيّة مهيمنة على الخليج وتحرّر العراق يعني انهياراً تاماً لحلف بغداد. .في 1958.7.15 ، أي بعد يوم واحد على ثورة العراق ، أنزل الأسطول السّادس الأمريكي 5000 بحار على شواطئ لبنان بادّعاء أنّ حكومة شمعون طلبت ذلك.والواقع هو أن الولايات المتّحدة ، إضافة لرغبتها في دعم شمعون ، كانت تسعى لوضع نفسها وحلفائها في موقع يمكّنها من التّدخل في العراق وخنق الثّورة إذا سنحت الفرصة. لكن الأمور تطوّرت بشكل لم تكن الولايات المتّحدة ترغب فيه، فقد أطاحت القوى الوطنيّة في لبنان بحكم كميل شمعون، وثبّتت الثورة العراقيّة أقدامها بإعلان الجمهوريّة، وكان لمصر دور هام في هذه التّطورات، فقد عبّأت قوّاتها المسلّحة واستنفرت كل القوى العربيّة والدّوليّة واستطاعت الحملة السّياسيّة والدّبلوماسيّة أن تجمّد القوّات البريطانيّة والأمريكيّة وأن تنسحب في النّهاية ولا تفعل أو تغيّر شيئاً.
في عام 1960 بدأت مصر في بناء السّد العالي بمعاونة الاتّحاد السّوفييتي، وكانت هذه الخطوة هزيمة أصابت الامبرياليّة ، لكن من ناحية أخرى حدث تراجع في التّضامن العربي فقد أدّت الخلافات بين الجمهورية العربيّة المتّحدة والعراق
إلى تعكير المناخ السّياسي في المشرق العربي وهذا سدّ الطّريق أمام الحوار المثمر بين القوى الثّوريّة الّتي تولّف قوى الحركة القوميّة العربيّة.وتوّج هذا التّراجع انفصال سوريا عن مصر ولكنّ هذا التّراجع لم يطل فقد انتصرت الثورة الجزائرية في تمّوز 1962، ونجحت الثّورة في اليمن في أيلول من العام نفسه.
لم تتوقف الامبرياليّة عن التّآمر على مصر، خاصّة بعد فشل محاولات كندي المتكرّرة احتواء مصر عن طريق سياسته التي تدعو إلى ارتياد “الآفاق الجديدة”، واعتقدت إدارة كندي أنّ مصر ستنهار بعد فك الوحدة، لكنّ جمال عبد النّاصر استمرّ في المقاومة . واستمرّت الولايات المتّحدة في تهديد مصر على خلفيّة بدء مصر ببناء صناعة طائرات وصناعة صواريخ، وعلى خلفيّة إمكانية احتجاج مصر على تزويد الولايات المتّحدة لإسرائيل بالسّلاح .كذلك وقوف الولايات المتّحدة ضد الثّورة في اليمن ودعمها للقوى الملكيّة وذلك بإرسال فرقة من المرتزقة لمحاربة القوّت المصريّة كذلك الاستعانة بالطّيران الإسرائيلي لإسقاط المؤن والذّخائر في نقاط محدّدة قرب الكهوف الّتي لجأ إليها البدر ورجاله. وكانت إستراتيجية الأمريكيين إطالة فترة مكوث القوّات المصريّة في اليمن لزيادة تورّطها هناك ونجحت في ذلك .وهنا من المهم أن ننتبه إلى أنّ الدّعم المصري لثورة عبد الله السّلال في اليمن كان جزءاً من التّصدي للامبرياليّة والّتي تآمرت هذه المرّة مع الحكم الرّجعي السّعودي والصّهيونيّة لإجهاض هذه الثّورة، لكنّ الثّورة اليمنيّة نجحت وانتصرت الجمهوريّة ، وامتدّت الثّورة بعدها إلى جنوب اليمن حتى أنّ كيسنجر صرّح “أنّ كل شيء مهدّد حتّى قلب إيران”. واغتيل كندي وخلفه جونسون واستهل حكمه باستفزاز مصر بالمطالبة بحق التّفتيش على المفاعل النّووي المصري وحق التّفتيش على مصانع الطّائرات والصّواريخ المصريّة.ورفض عبد النّاصر هذا المطلب الّذي يمس بسيادة مصر واستقلالها.فاستل جونسون سلاحاً جديداً لإخضاع مصر، فقد قرّر وقف مبيعات القمح لمصر، وقد جاء هذا الإجراء في فترة صعبة لمصر، فقد ظهرت الآثار التّضخميّة لتنفيذ الخطّة الخماسية الأولى، وفي وقت تصاعدت فيه نفقات العمليّات العسكريّة في اليمن.
(يتبع)