دير أيوب – د. خالد تركي
- by منصة الراي
- February 8, 2018
- 0
- 3919  Views
- 0 Shares
قرأتُ صحيفة يديعوت أحرونوت، ليوم الجمعة، زاوية مسار السَّبت، ووجدْتُ فيها دعوة لزيارة عين البلد، في قرية دير أيُّوب، ذلك النَّبع الذي نهل منه سكَّانها العرب وشربوا من مياهه النَّميرة والعذبة واستخدموها كذلك للغسل وللرَّيِّ والزِّراعة وتربية المواشي والطَّهي، وفي جميع حاجيَّاتهم اليوميَّة خلال سنين خلَت.
“لقد كان المكان مُهملاً منذ العام ألف وتسعمائة وثمانية وأربعين، منذ أن هجره وتركه سكَّانه ولكن قبل عدَّة سنوات بُنيت في المكان بركة مربَّعة تحت تينة كبيرة، وقد حُوِّلت مياه النَّبع في ترعةٍ إلى البركة”(ترجمة وصف المكان حسبما ورد في الصَّحيفة)..
وبنوا قرب ذلك المكان مُتَنَزَّهًا، سُمِّيَ بپارك كندا في العام ألفٍ وتسعمائة وثمانية وسبعين، حيث أُقيم بتمويل ودعم وهبات من يهود كنديِّين، على أنقاض ودمار أربع قرى عربيَّة فلسطينيَّة، قرية دير أيُّوب، يالو، بيت نوبا وعمواس.
تقع قرية دير أيُّوب على طريق الرَّملة القدس العام، المُشرِفة على خطِّ سكَّة حديد يافا القدس، ويُعتقد أنَّ النَّبي أيُّوب مدفون فيها، لذلك سُمِّيت القرية باسمه، وهي بلدة غير محصَّنة احتُلَّت ثلاث مرَّات، على أيدي فرق صهيونيَّة مُختلفة، لواء هرئيل التَّابع للپلماح ولواء چبعاتي حيث كانوا يُطلقون النَّار عشوائيًّا على بيوتها ودور عبادتها، وبعدها أخلوا القرية من سكَّانها بالقوَّة ودمَّروها بالكامل وشرَّدوا كلَّ من بقي فيها حيًّا، وسقطت القرية في شهر نيسان من ذلك العام الملعون.
لقد كانت قرية دير أيُّوب، قبل عام النَّكبة الأولى عامرة ببيوتها، المبنيَّة من اللبن والطِّين،
وبأزقَّتها وبحاراتها وبأهلها الذين وصل عددهم إلى ما يُقارب ثلاثمائة وعشرين نسمة، حيث بنوا لأطفالهم مدرسة ابتدائيَّة..
عامرة باشجار التِّين والعنب والزَّيتون واللوز والرُّمَّان والصَّبَّار..
عامرة مياهها العذبة..
وحسبما يذكر إيلان بابيه في كتابه “التَّطهير العرقيُّ في فلسطين” (ص 66)، أنَّ “أورد وينغت” مدرِّب عصابة الهچناة، كان يدخل القرى غير المحصَّنة قبيل منتصف الليل، ويبقى فيها مع جنوده لبضع ساعات، ليُطلقوا النَّار على كلِّ من يجرؤ أو تجرؤ على الخروج من البيت أو على كلِّ متحرِّكٍ..
والقصد من ذلك هو إظهار القوَّة وترهيب وتخويف النِّاس، أكثر ممَّا هو عمل تأديبيٌّ أو هجومٌ انتقاميٌّ.
وفي حرب حزيران عام ألف وتسعمائة وسبعة وستِّين، تمَّ احتلال بيت نوبا، يالو وعمواس بعد أن دمَّرت جيوش الاحتلال الاسرائيلي بيوت جميع القرى وطردت سكَّانها، ليكمُل مشروع “الكنديِّين”..
لقد بنوا سياحة ونقاهة واستجمامات لرحلاتهم وراحتهم على أنقاض أزقَّتنا وبيوتنا ومقابرنا ومقدَّساتنا..
إنَّ ما حدث هو ليس هجرة بل تهجيرًا للمكان وتطهيرًا للعرق في قرية أيُّوب، مثالا لا حصرًا، ولم يترك أهالي دير أيُّوب المكان حُبًّا بغيره بل طُرِدوا منه بعنف فظٍّ وتدميريٍّ، بعد أن هدموا البيوت فوق رؤوس أهلها العُزَّل، حتَّى لا يُفكِّروا بالعودة إليها..
أكتُبُ هذا وبي لوعة الكاتب وحسرة القارئ وحُرقة العربيِّ ابن قرية دير أيُّوب المُهجَّر وحزن لاجئي يالو وعمواس وبيت نوبا وغيرها من بلدان فلسطين، فصحيفة يديعوت أحرونوت تصل إلى ملايين البيوت، ويقرأها الملايين ويصدِّقون خرافتها، بينما عدد الذين يقرأون رواية شعبي الصَّحيحة لن يتجاوز البضعة آلاف، فكيف السَّبيل إلى إيصالها لهم، على حقيقتها كما هي..
وهذه مساهمة متواضعة مني من باب “أضعف الإيمان” او ما يزيد عن ذلك..