شعر داود تركي نضال وجهاد – بقلم إسكندر عمل
- by منصة الراي
- March 9, 2018
- 0
- 1245  Views
- 0 Shares

داود تركي الشاعر المناضل الذي تحدّى في سجنه قيود القهر، ابدع في قصائده التي كتبها داخل جدران السجن وأكمل مسيرته الشعرية بعد تحرره في عملية النورس عام 1985، واكبتُ كتابته الشعرية وهو خلف القضبان، وزاد إعجابي ببلاغته وثقافته واطلاعه بعد تحرره. فقد ولجَ بحور الشعرِ وهو يحمل في ذاكرته آلاف الأبيات الشعرية للمتنبي وأبي فراس الحمداني وغيرهم من الشعراء، فكانت ثروته الشعرية رصيداً ثقافياً أغنى تجربته الشعرية فصُقِلتْ وأصبحت في أبهى صورة في هذا الديوان.
نُشِرَتْ قصائده الأولى التي نظمها في السّجن في كتاب “أنصار السّجين” وكانت تحت عنوان “ريح الجهاد” ونُشِرَتْ قصائدَ أخرى في كتابه “ثائر من الشرق العربي” وهو سيرته الذّاتية. ونُشِرَتْ معظم قصائده في جريدة “الإتحاد” الحيفاوية.
لا أرى أصْدَقَ من قوله في قصيدته “حيّ الأسير”، قولا ً يعبّر عن صموده في سجنه وبعده وصمود زملائه من السجناء السياسيين:
ما لانَ يوماً للشّدائدِ لو بدت شَهَرَ الصمود لها وصال كفاحا
فهو في هذه القصيدة وغيرها من قصائد هذا الديوان يعبِّر بصورة صادقة عن أحاسيسه وشعوره ونضاله ومبادئه التي لم يحِد عنها يوماً، فهو مناضل عنيد قبل كونه شاعراً، فكانت أشعاره سيرة ذاتية نضالية، أو سيرة نضالٍ قاده وإخواناً له، رأوا في أمّتهم العربية الأمل المنشود، رغم الصعاب، وأبيات قصيدته “أنا يعْرُبيّ النّفسِ” هي فصل من فصول فِكْرِهِ القومي العربي واعتزازه بوطنه وبقوميته. يقول:
وطني فلسطـــين ورملتها هي أوّل الشّامات في الشّلبِ
ماضٍ، أحُثُّ السير من صغري لِفِدى ثراها الغضّ والرّطبِ
يفخَرُ بدِمشق عاصمة بلاد الشّامِ في قصيدته “إيه دمشق” ويؤكّد أنّ حُبّها تجذّرَ في نفسه منذ الطفولة، وكانت البوصلة التي اهتدى بها:
سبعون عاماً عمرها في ثائر وبها تمسّك سعيه المتألــق
تهدي خطاه روحها ومبادئ لا ينثني عن دربها متحرِّق
مهما الجفاء بها يكن متشدِّداً سيُلينه ويزيله متشـوِّق
إيه دمشق يقُضّني ومحبّتي بعدٌ يعذّب خاطري ويُمزِّق
أما بغداد، عاصمة العرب في عصرهم الذهبي فلها في شعر داود تركي حبّ خاص، فهي قاهرة الأعداء ورمز من رموز العروبة.
دومي على النهرين قـــاهرة كيد العدى، دومي مدى الحقب
دومي لشعب العرب مفخرة ومنارة للعلم والطلــــــب
بغداد دومي ضـــاد أمتنا وامضي إلى العلياءِ فالشهـــب
إن فكر داود تركي القومي لا يتناقض مع فكره الماركسي، فقد بدأ حياته السياسية شيوعياً، فكراً وتحليلاً ورأى في الديالكتيك والصراع الطبقي منهجاً علمياً،
فهو في قصيدته “رفرف لواءك”، يرى في أعلام أيّار الحمراء، نصر المسحوقين المستغَلّين على الرأسماليين والإقطاعيين والرجعيين:
رفرف لواءك وانتصب أيّـار أمماً بها يتوقّد الصْــرار
عمالك الأحرار عزمُ زنودهم لرؤوس ظلاّم الورى بتّار
أيار ما زلت المنار لثائــر بك يهتدي ويقاوم المغوار
انت السبيل إلى الخلاص من الوبا ونفوسنا لبهائك الإزهــار
أمّا نظريته الثورية فيُحدّد خطوطها العريضة في قصيدته “أديب أخي”، صديقه في العمل الثوري ورفيقه في سجنه أودي أديب والتي يستهلها ب:
أديب أخي يُشاغِلني الوجود ومنطقه المعقد والحقود
وفيها يقول:
سلامي لليهود بكــل أرضٍ إذا قبلوا السّلام يفي المزيد
إذا ودّوا معي عيش التساوي سيشملهم به الفجر الجديد
ويغمرهم وداداً مستــزيداً دمقراطية وندى يسـود
ولاجئنا يعود الى حمـــاها ويحضنه بموطنه السّـعود
ولا يمكن في هذه المقالة أن لا أتطرّق لقصيدته ” حُيّيتَ مانديلا” لما فيها من أملٍ لكُلّ ثورة بدا للمستعمر أنّ نجاحها مستحيل، حتى لو أودعوا زعيمها في غياهب السجون سبعاً وعشرين عاماً
سبعٌ وعشرون تقلّــدها قيْدٌ يعنِّي الحرّ والصَّلِـبا
وجنوب أفرِقيا على ظلمٍ للظُّلمِ هبَّ وواجهَ اللهبا
والشعبُ جبَّارٌ تقدَّمـَهُ بطل على الظّلامِ قد وثبا
وفي هذه القصيدة يفخرُ الشّاعرُ بأنه سلك طريق مانديلا:
فأنا مثيلك في النضال أفي حقّي وأترك ظالمي لهبا
سبعون عامَ العمر شرَّفها فكر وعزم صدّ مغتصبا
أنت المثال لثائر كبُرت آماله وترَفَّعتْ غلبــا