دور الحزب الشيوعي في حيفا (الحلقة الثانية): حيفا بعد النّكبة – إسكندر عمل
- by منصة الراي
- April 5, 2018
- 0
- 1541  Views
- 0 Shares

كان للرّفيقين جورج طوبي وحنّا أبو حنّا دور أساسيّ، في إقامة الشّبيبة الشّيوعيّة في حيفا. كان رفاق الشّبيبة يشاركون في توزيع “الاتّحاد” ونشاطات الحزب الأخرى، وكانت الشّبيبة تجتمع اسبوعيًّا في مقرّها في درج الموارنة، وكانت تُلقى في الّلقاء المحاضرات التّثقيفيّة العامّة ويتم استعراض النّشاط الأسبوعيّ، يتلوه البرنامج الفنّي.
بولس فرح: قمنا أنا وتوفيق طوبي وعصام العبّاسي بتوزيع الشّقق السّكنيّة في وادي النسناس على من تبقّى في المدينة آخذين بعين الاعتبار عدد أفراد العائلات، ثمّ قمنا بتوزيع الحوانيت التّجاريّة على الّذين كانوا يتعاطون التّجارة، وهكذا امتلأ الحيّ بأكمله، وفُتِحت الحوانيت، وكانت الكآبة تخيّم على وجوه النّاس للكارثة الّتي حلّت بهم وبأهلهم وبشعبهم
أضحى تمركز السّكان العرب في حي وادي النّسناس وأجزاء من حي عبّاس أمرًا واقعًا، ويصف لنا بولس فرح وضع حيّ وادي النّسناس “ذهبنا برفقة قائد المدينة لمشاهدة الحدود المسموح لنا بالإقامة فيها، فوجدنا حيّ وادي النّسناس مقلوبًا رأسًا على عقب، كانت البيوت مفتوحة ومنهوبة ومهجورة ولم يبق فيها إلّا الأثاث العتيق والأسمال، والجرذان تصول وتجول في البيوت، والكهرباء والماء مقطوعتان في أغلب أماكن الحيّ. قمنا أنا وتوفيق طوبي وعصام العبّاسي بتوزيع الشّقق السّكنيّة على من تبقّى في المدينة آخذين بعين الاعتبار عدد أفراد العائلات، ثمّ قمنا بتوزيع الحوانيت التّجاريّة على الّذين كانوا يتعاطون التّجارة، وهكذا امتلأ الحيّ بأكمله، وفُتِحت الحوانيت، وكانت الكآبة تخيّم على وجوه النّاس للكارثة الّتي حلّت بهم وبأهلهم وبشعبهم.”(11)
أمام هذا الوضع المأساويّ كان لا بدّ من قيادة تحمي وتقود أشلاء هذا الشّعب وتمنع ذوبانه قوميًّا، لغة وحضارة. إذ فُرض الحكم العسكريّ على الأقليّة القوميّة العربيّة حتّى العام 1967. وهنا برز دور الحزب الشّيوعيّ الّذي توحّد مع عصبة التّحرّر الوطنيّ في 22-23 تشرين الأوّل عام 1948.
لم تختلف سياسة الحكومات الإسرائيليّة في سياستها تجاه العرب الفلسطينيّين عن سياسة الدّول الاستعماريّة كفرنسا الّتي اتّبعت سياسة الفَرْنسَة في مستعمراتها، فقد كانت محاولات لطمس الهويّة العربيّة بأساليب مختلفة، لكنّ الحزب الشيوعيّ بصحفه ومجلّاته “الاتّحاد” و”الغد” و”الجديد” و”الدَّرب” الّتي صدرت في حيفا، كان مدرسة، حمت الهويّة والّلغة والفكر والأدب فخرّجت أدباء وشعراء وكتّابًا ومؤرّخين كتوفيق زيّاد وإميل توما وإميل حبيبي ومحمود درويش وسميح القاسم وسالم جبران وسميح صبّاغ وغيرهم.
لقد أسّس الحزب الأطر المختلفة في جميع المجالات أو كان داعمًا لأطر وطنيّة هدفت إلى ترسيخ وجودنا وبقائنا على هذه الأرض. وكان الحزب راصدًا لكلّ ممارسة تقوم بها السّلطات ويقوم بالردِّ عليها بوسائل الاحتجاج المختلفة، مخترقًا الحواجز الّتي كان الحكم العسكريّ يضعها لكبت الحرّيّات ولتمرير مؤامراته ضدّ الجماهير العربيّة.
*قوت الكادحين*
قوت الكادحين هي جمعيّة تعاونيّة، غير ربحيّة أقامها “مؤتمر العمَّال العرب” بقيادة الشّيوعيّين في أوائل خمسينات القرن الماضي، ليضمن لقمة عيش العمّال ويحميهم من منشار “السّوق السّوداء”، في زمن شراء المواد الغذائيّة مقابل بطاقات تَموين من دائرة التّموين، وكانت الجمعيّة توفّر احتياجاتهم الغذائيّة بأسعار مراقبة كالطّحين والحليب والبيض والسّكر والملح والقهوة. كان هذا الأمر مهمًّا لأنّ أصحاب البقالات كانوا يخزنون بضاعتهم ليبيعوها في وقت لاحق بأسعار عالية.
كانت الجمعيّة في حيفا تملك بقالة ومطعم قوت الكادحين في شارع الخوري 24، وبقالة أخرى ومخزنًا للبضائع الغذائيّة التّموينيّة في شارع المستشفى (ماير) 16، كذلك كانت تملك فرنًا في شارع الخوري 41، وقد بلغ عدد بطاقات التّموين التّابعة لقوت الكادحين في حيفا حوالي ألف بطاقة. وقد نشط في هذه التّعاونيّة عدد من الرّفاق يذكرهم ابراهيم تركي في كتاب ابنه د. خالد تركي “يوميّات برهوم البلشفي” ومنهم توفيق الأسعد وتوفيق صليبا وجوزيف عبده ( رئيس التّعاونيّة)، وديب فرح، عبد الحميد أبو عيطة، عسّاف حناني، عصام العبّاسي، سركيس إبريان، ابراهيم أبو غزالة، نجيب الفاهوم، نصري المرّ، كرم خوري، نورالدّين العبّاسي وعلي عاشور.(12)
يقول أبو عصام زين الدِّين، الرّفيق الّذي أدار مطعم قوت الكادحين انّه كان ملتقى الرّفاق والأصدقاء بعد العمل، وكانت صحيفتا الحزب “الاتّحاد” و”كول هعام” معلّقتين دائمًا على جدران المطعم، وكان روّاد المكان يطّلعون على موقف الحزب الشّيوعيّ من القضايا المختلفة، وكانوا من حيفا ومن القرى المجاورة أو البعيدة، يأتون للبحث عن لقمة العيش وكان الرّفاق يرشدونهم في كل مشكلة يواجهونها. وكان الرّفيق عباس زين الدِّين يتعرّض للاعتداء والتّهديد من قِبل السلطة واليمينيّين المتطرّفين الّذين كانوا يهاجمون قوت الكادحين لدوره المهمّ في المحافظة على حقوق العرب الحيفاويّين العيشيّة اليوميّة.(13)
*الفن،الغناء،الرّياضة*
لم يكن الحفاظ على حياة شعب شُرِّد معظمه أمرًا سهلاً، خاصّة في وضع، كان فيه الحكم العسكريّ الغاشم يريد طمس كل معالم ثقافة وحضارة هذا الشّعب، لذلك كان التّحدّي مصيريًّا، وكان الحزب الشّيوعيّ هو الوحيد الّذي تحمّل مسؤوليّة المحافظة على الفنّ والرّياضة والغناء والأدب، لأنّ فقدان كلّ هذا يعني ذوبان الأقليّة العربيَّة الفلسطينيّة في مجتمع حاول فرض لغته وفنّه وهويّته عليها. “فالفنّ هو خندق الشّعوب الأخير، خندق الدّفاع عن مُثُل الحريّة والسّلام والديمقراطيّة والتّعدّديّة” هذا ما يقوله سميح القاسم واقتبسه عنه د. خالد تركي في كتابه يوميّات برهوم البلشفيّ، لذلك أقام الحزب في حيفا فرقة أناشيد ورقص، وكان الحزب يقيم مهرجانات قطريّة للصّحافة والرّياضة والرّقص والغناء. كان الرّفاق في الشّبيبة يفتتحون اجتماعاتهم الحزبيّة أو في الكوادر بأناشيد ثوريّة تثير الرّوح الثّوريّة عند الشّباب وتدبّ فيهم العزيمة والجرأة والشّجاعة.
وكان الشّاعر حنّا أبو حنّا محرّر مجلّة “الغد” الحزبيّة الشّبابيّة يكتب الأناشيد الّتي كانت فرق الإنشاد وجوقة الحزب تنشدها ومنها:
ظُلّام يا ظُلّام نظامكم ما يدوم
هذي شعوب الأرض هبّت على الظّلوم
كالعاصف الصّخّاب تجتاحكم كالنّار
تقضي على الظّلم والاستعمار
يزيدنا الإرهاب عزمًا ومضا
لنا الغد البسّام ويومكم مضى
أخوّة الشّعوب هدانا والمنار
تهدي سبيلنا للانتصار (14)
ونشيد السّلام:
صوت الشّعوب دوى عاليًا في كلّ أرض يهزّ القلوب
للسّلم ينشد منتشيًا عذب النّشيد مهيبًا حبيب
إلى الأمام جيش السّلام
من كلّ لون ودين
إلى الأمام لمحو الظّلام
نبني سلامًا لنا أجمعين (15)
ونشيد الشّباب الدّيمقراطي الّذي ترجمه إلى العربيّة الشّاعر حنّا أبو حنّا ولحّنه الموسيقار الحيفاوي ميشيل درملكنيان:
نحن شدنا المعالي وسنبني حياة السّلام
نحن أُسد النّضال وحّدتنا الأماني العظام
فشباب البلاد همُ رمز الجهاد
أشدوا وشيدوا يحلو النّشيد
لحن الهنا هيّا
إنّنا نشيد في الورى الحياة الحياة الحياة
سوف نُشهِد الورى بأنّنا أقوياء أقوياء أقوياء
فإنّما النّضال روح للشّباب
إنّنا نشيد في الورى الحياة الحياة الحياة
ذكّرتنا الحروب دم أبطالنا الخالدين
جمّعتنا الخطوب إخوة نحن في العالمين
سعيًا للانتصار سعيًا أُسد الدّيار
هيّا نناضل جيل البواسل
جيل العُلا هيّا (16)
في مجال الرّياضة أقامت الشّبيبة الشّيوعيّة فريقًا لكرة القدم هو فريق “المستقبل”، إيمانًا بأنّ الغد للشّباب والمستقبل لهم. كانت التّمارين والتّدريبات تجري في “بستان الشّيوعيّة” في حي وادي النّسناس، والمباريات البيتيّة في حي الموارس، وكان تمويل الفريق من تبرّعات الرّفاق والأصدقاء وأعضاء الفريق، وكان الفريق يتلقّى كل الدّعم المادّيّ والمعنويّ من محامي الأرض طيّب الذّكر حنّا نقّارة. وفي هذا المجال أيضًا كانت الفئات اليمينيّة من شباب “الحيروت” تستفزّ الفريق وأعضاءه وتحاول الاعتداء عليهم جسديًّا، لكنّ أعضاء الفريق كانوا يتصدَون لهم ويردّون الصّاع صاعين. (17)
من هنا نرى أنّ الحزب والشّبيبة لم يهتمّا فقط بالتّوجيه الفكريّ لأعضائهما، لكن بلياقتهم البدنيّة أيضًا فالعقل السّليم في الجسم السّليم.
قام الحزب طوال سنوات بندوات ثقافيّة وفكريّة من خلال مشاريع ثقافيّة كـ”الدّيوان” وهو عبارة عن أمسيات ثقافيّة شهريّة، تقام في نادي “مؤتمر العمَّال العرب” في حيِّ وادي النّسناس، أو منتدى “الأخوّة” الشّهري وهو يعالج قضايا فكريّة وعلميّة معاصرة يقدّمها مختصّون وتقام في نادي “الأخوّة” في منطقة الألمانيَّة، أو نشاطات “معهد أميل توما” الّذي يقيم الأيّام الدّراسيّة والمحاضرات الأدبيّة والسّياسيّة والاجتماعيّة وغير ذلك من الدّورات التّثقيفيّة الحزبيّة للشّبيبة الشّيوعيّة.
*الشّبيبة الشّيوعيّة*
كانت هناك أهميّة كبيرة للعمل بين الشّبيبة العاملة كقوى طلائعيّة للنّضال ضدّ الاستغلال ومن أجل مجتمع أفضل، فأقام الحزب في بداية الخمسينات أوّل خليّة للشّبيبة الشّيوعيّة في حيفا، وقد كان للرّفيقين جورج طوبي وحنّا أبو حنّا دور أساسيّ، في إقامة الشّبيبة الشّيوعيّة في حيفا. كان رفاق الشّبيبة يشاركون في توزيع “الاتّحاد” ونشاطات الحزب الأخرى، وكانت الشّبيبة تجتمع اسبوعيًّا في مقرّها في درج الموارنة، وكانت تُلقى في الّلقاء المحاضرات التّثقيفيّة العامّة ويتم استعراض النّشاط الأسبوعيّ، يتلوه البرنامج الفنّي. وقد صدرت في حيفا مجلّة “الغد”، مجلّة الشّبيبة الشّيوعيّة وترأّس تحريرها الشّاعر حنّا أبو حنّا.
نجحت الشّبيبة الشّيوعية فيما بعد بالوصول إلى مجالس الطّلّاب في المدارس العربيّة الحيفاويّة، وكان معظمها مدارس أهليّة مثل الكلّيّة العربيّة الأرثوذكسيّة (أقامها المجلس الملّي الوطنيّ الأرثوذكسيّ الّذي تأسّس عام 1947 وكان لرفاق الحزب مثل حنّا نقّارة وشفيق طوبي دور في إقامته)، الّتي كان يصل إليها الطّلّاب من كلّ أنحاء البلاد، وكان لأعضاء الشّبيبة الشّيوعيّة نشاط ملموس بين الطّلّاب، فازداد الوعي السّياسي لديهم وأصبح عدد منهم قياديّين للشّبيبة في قراهم ومدنهم. وأذكر أنّ رئيس مجلس الطّلّاب في مدرسة الكرمليت الّتي درّستُ فيها ثلاثة وأربعين عاماً، بدأ كلمته الصّباحيّة بعد انتخابه رئيسًا لمجلس الطّلّاب عام 1979، “يا طلّاب العالم اتّحدوا”. وقد أقامت الشّبيبة اتّحاد الطّلّاب الثّانويّين العرب الّذي نظّم مهرجانات قطريّة ضخمة، أذكر منها مهرجان اقيم في وادي عارة وتحدّث فيه أمام آلاف الطّلّاب الثانويّين كل من طيّب الذّكر القائد توفيق زيّاد ورئيس بلديّة أم الفحم آنذاك هاشم محاميد، ورئيس اتّحاد الطّلّاب الجامعيِّين العرب أمير مخّول ورئيس اتِّحاد الطًّلاب الثَّانويِّين العرب عبد عنبتاوي وكاتب هذه السّطور ممثّلاً للمعلّمين الدّيمقراطيّين.
ولم يتوقّف نشاط الشّبيبة عند الدراسة الثّانويّة، فقد نقلوا نضالهم السّياسيّ إلى الجامعات فأقاموا لجان الطّلّاب العرب، وناضلوا من أجل حقوق الطّلّاب العرب في الجامعات، وقد أصبح عدد من قياديّي الحزب في الجامعات قياديّين لجماهيرنا مثل عصام مخّول ومحمّد بركة وأمير مخّول وجعفر فرح، وآخرون انتقلوا إلى خندق آخر فيما بعد كعزمي بشارة وجمال زحالقة. (يتبع)
• الهوامش:
11. بولس فرح، نفس المصدر، ص196.
12. د. خالد تركي، يوميّات….ص119- 120.
13. مقابلة شخصيّة مع الرّفيق عبّاس زين الدّين.
14. أناشيد وأغانٍ شعبيّة- إصدار اتّحاد الشّبيبة الشّيوعيّة، ص15.
15. نفس المصدر، ص17.
16. نفس المصدر، ص9.
17. يوميّات برهوم…….ص41- ص42.