جارك “القريب” تسمع إبداعه ما وراء البحار – بقلم اسكندر عمل

حقًّا إنّها مهزلة من مهازل القدر أو مهازل من يرسم لنا “قدرنا” على هواه، أمن المعقول أن تسافر اثنتي عشرة ساعة وتقطع المحيطات والبحار كي تسمع فنًّا راقيًا لفنّان لا يبعد مسقط رأسه عن مكان سكناك إلّا عشرات الكيلومترات أو ساعات قليلة من السّفر في سيّارة؟
وهذه ليست المصيبة فالكارثة الإنسانيّة واللامعقول أن يُمنع الفلسطيني المتجذّر في وطنه رغم القهر والتّمييز من زيارة أخيه أو أخته أو عمّه أو عمّته أو خاله أو خالته أو أيّ قريب له في المخيّمات القسريّة التي حتّمتها سياسة التّخويف والتّهجير الصّهيونيّة عام النّكبة وقبله وبعده. لم نتحدّث عن حقّ العودة ولا عن عودة اللاجئين الفلسطينيّين وهو حقّ أكدته القرارات الدّوليّة والتي كانت شرطا لقبول إسرائيل كعضو في الأمم المتّحدة وهو حقّ سيتحقّق عاجلًا أم آجلًا، وانّما نتحدّث عن الجانب الإنساني الذي يضرب به من يتحكّم بمصائرنا عرض الحائط.
عرضٌ رعته الجمعيّة العربيّة الأمريكيّة ضدّ التّمييز والعنصريّة وعنوانه “أصوات من أجل عصر ذهبيّ جديد”، وهو واحد من جملة عروض في الولايات المتّحدة شملت إضافة لبوسطن: نيويورك، واشنطن دي. سي، ميامي، سان فرانسيسكو، لوس أنجلوس وهيوستون. وقد أبدع في هذا العرض إبنا مرسيل رامي وبشّار وهما عبقريّة عزفيّة أعطت لأغاني مرسيل زخمًا جديدًا وحماسًا منقطع النّظير.
غنّى مرسيل لمحمود درويش توأم مسيرته الفنّيّة، ريتا، جواز سفر وأغانيَ أخرى لفلسطين، غنّى للبحّارة والكادحين ” يا بحريّي” وغنّى للأطفال وللطّفولة ” كانت الحلوايي واقفة عالمرايي”. غنّى فأطرب وصدح فالتهبت الأكف تصفيقًا.
من أهداف هذه العروض والحفلات والتي حضرها مئات الأمريكيّين في كل عرض وليس العرب فقط أو من أصل عربي، تغيير الفكرة المسبقة عن العرب في الغرب والتّأكيد على ثقافتنا الغنيّة ، الرّاقية والمتنوّعة والّتي لا تقلّ مستوى أو إنسانيّة عن الثّقافة الغربيّة أو الأمريكيّة، أو من الممكن أن تكون أفضل. فثقافتنا هي واحدة من أفضل أدواتنا في نضالنا ضدّ التّمييز والعنصريّة.
إنّ هذا الهدف هام جدًّا وقد عمل على رفعه الموسيقار الفلسطيني ابن حيفا سيمون شاهين وهو تلميذي سابقًا في مدرسة الكرمليت الثّانويّة في حيفا، وهو مواظب على نقل الرّقي الفنّي الفلسطيني إلى القارّة الأمريكيّة من خلال ورشاته الموسيقيّة المجانيّة مع الموهوبين الفلسطينيّين من الأطفال والشّباب في المناطق الفلسطينيّة المحتلّة والّتي يقيمها كل عام تقريبًا. إضافة لحفلات فرقته وعبقريته الموسيقيّة الّتي رفعت من شأن الموسيقى العربيّة في القارّة الأمريكيّة الّتي استقرّ فيها منذ أيّام الشّباب.
إنّ الفنّ الرّاقي الّذي قدّمه مرسيل وولداه رامي وبشّار له دور هام في طرح الصّورة الحقيقيّة للعربي وهو ردّ على كل محاولات التّشويه وتصوير العرب كإرهابيّين ومتطرّفين، وهو تأكيد على أنّ هذا الفكر الرّائج عن العرب هو التّمييز بعينه وهو الإرهاب والعنصريّة البغيضة  الّتي على من ينتصب تمثال الحرّيّة على سواحلهم أن ينبذوها ويقيّموا الإنسان حسب قدراته ومواهبه وعطائه للإنسانيّة.

* بوسطن

 

Post Tags:

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*
*