الذِّئب – د. خالد تركي
- by منصة الراي
- June 8, 2018
- 0
- 2101  Views
- 0 Shares

كان والدنا، أبو خالد، في طفولتنا يُنشِد لنا أهازيج واناشيد
وأغاني الوطنِ والعمَّال والفلاحين والأطفال، فحفظناها كما نحفظُ طريقَنا إلى بيتنا وكما نحفظ الخطوط التي رسَمتها سنوننا على راحات أكُفِّنا وبيَّنت سيماهنا على جباهنا ووجوهنا، كما يحلو لها، وقد لازمتنا هذه الأناشيد في منظَّمة “أبناء الكادحين” وتنظيم “الشَّبيبة الشُّيوعيَّة” والحزب لاحقًا، وأصبحنا نُنشِدها سويَّة، معه، في سَمَرنا، لكنَّ والدي، البارحة، أنشَدَ لنا، أنشودةً من قصَّة “الجدْي والعجوز”: كان جديٌ لعجوزٍ أشهب اللونِ ظريف وكان محبوبًا لديها (لدى العجوز صاحبته) إذ هو الجديُ الأليف، راحَ هذا الجديُ يومًا سارحًا بين الحقول فأتى الذِّئب عليه وهو يقتاتُ البُقول..
تذكَّرها وغنَّاها بعد سماعه أخبار مُتأبِّط الشَّرِّ ومحراك الأذى، نتنياهو، كيف يحثُّ العالم الغربيَّ والاستعماريَّ على اتِّخاذ جميع الإجراءات لمقاطعة ومعاقبة وضربِ إيران، بعد أن أعلن، على الملأ، أنَّه سيمنع توقيع اتِّفاق جنيف مع إيران، بخصوص برنامجها النَّوويِّ، بعد أن توجَّه الى الدُّول الخمس الدَّائمة العضويَّة في مجلس الأمن لإقناعها بذلك..
والقصَّة هي: أنَّ جديًا كان يرعى بين الرَّوابي والحقول وراح ينهل من الوادي ماءً، بينما وقف في أعلى الرَّابية ذئبٌ مراقب ومتربِّص، يُفكِّر بسبيله إلى فريسته، فقفز إلى الجدي واتَّهمه بأنَّه عكَّر صفوَ الماء الذي لم يعُد، بنظره، صالحا للشُّرب، فأجابه الجديُ: كيف ذلك وأنا اشرب من الوادي وأنتَ تستكشفني من علٍ، على الرَّبوة. لكنَّ نيَّة الذِّئب المُبيَّتة هي طمعه بالفريسة وجشعه الذي لا ينضبُ لرؤية الدَّم والأشلاء وليس حقيقة الأمور والمنطق، كيف لا! وهو الذي “يشتري القلاقل والمشاكل” لغاية في نفسِهِ..
وهذه هي نيَّة حكَّام بلادنا على مدى عقود من وجودهم على أرضنا، الهيْمنة على المنطقة، والسَّيْطرة على مقدَّراتها، والتَّحكُّم بمشاربها ومواردها، لتكونَ يدهم العليا في ترتيب سياسة شرقنا، وليبقوا “حَنكًا فَوقيًّا”، يلعبون في مستقبل شعوب شرقنا ومغربنا كما يحلو لهم، وتبقى أمَّتنا مادَّةً خامًا يصنعون بها ما يشاؤون.
لكنَّ الجدْي تابع غناءه بصوت عالٍ حتَّى سمعته العجوز، صاحبته، ورأت الذِّئب كيف يجرُّه إلى جُحره ليفترسه، فدعت جيرانها وأصدقاءها وحمل كلٌّ منهم معوَله وعصاه هاجمين على الذِّئب ليُخلِّصوا الجدي من أنيابه، وهكذا انتصروا على هذا الحيوان المفترس وسلِم رأس الجدي من الموت، بعد أن لبُّوا النِّداء والواجب حين تعاضدوا وتضامنوا وتضافروا وتظافروا وظفروا وانتصروا..
لكِن ماذا نفعل بالذين ﴿..يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصَّواعق..﴾ ويتركون شعبهم بآلامه ومعاناته تحت طائلة الظُّلم والغبن بين فكَّي الإرهابيِّين والتَّكفيريِّين والمُحتلِّين والطَّامعين لماذا عليهم أن يُلدغوا من جحرٍ مثنى وثُلاث ورُباع وخُماس أو يزيد، فتقسَّم وتشرذم وتفرَّق شعبنا من محيطه إلى خليجه واصبحنا مُستباحين، ونسعدُ لاغتصابنا..
أما لهذا الليل من آخر..
اليأس ليس من شيَمِنا، والقُنوط مرفوض والإحباط لا يجدي “فقوموا واستفيقوا” لنصرة الحقِّ في مشرقنا ومغربنا، لكي يخرجوا من ارضنا، من برِّنا..من بحرنا
من قمحنا..من ملحنا..من جرحنا..من كلِّ شيئٍ..
لتسْعدْ بلاد الشَّام بأبنائها وليهنأْ ابناؤها بحضنها..