يوم عُرسَكْ يا عَبِد يوم التقسيم – نداء نصير
- by منصة الراي
- October 25, 2018
- 0
- 1086  Views
- 0 Shares

بدّي أحكيلكو قصة عَبِد ابن خليل ابن عبد الرازق أبو الهيجا ابن قرية الرويس.. اللي صارت كل أحداث البلدة تتأرَّخ حسب يوم عُرسه… أي يوم؟ يوم التقسيم..
“مسكين عَبِد“، قالت أمه… “إشو ذنبو؟؟ هيك ألله رتّب يكون يوم التقسيم يوم عُرسه.. وما كان بنفع يغيروا التاريخ، تاريخ العرس– لأنه عُرس عَبِد مش أي عرس.. والكل محضِّر حالو من شي سنة.. نسوان وزلام وصغار وكبار وختيارية وحدّا والكبة والرز وسفايناللحمة..وعليا اللي معَّطينلها شعرها. هذا وين بده يروح كله!! وما كان بنفع يغيّروا يوم التقسيم.. تغييره كان بدّه قرار أممي، والامم المتحدة يغضب عليها هيك وقتها قرّرت… فلسطين تنقسم لدولتين!!”.
يوم ما خلّفَتْ مزيَّن بنت الجيران، قالوا إجاها الصبي صمألله عليه، وِجّهو زي شقفة القمر، إجا بعد عرس عَبِد بشهر وثلاث أيام، الكل بتذكّر هاليوم كانت جيابتها صعبة، برد وصقعة وموت أحمر.. ويوم ما طهّروا ابنها بعد شهرين من عُرس عَبِد، ما حدا كان فاضي يروح يتفرّج!! ماتت مزيَّن من القهر بعد عرس عَبِد بثلاثة أشهر!
ويوم ما انقصفت القرية من جهة بير الطيرة الواقع في الجهة الغربية من البلدة تقريبًا من مدخل طمرة الرئيسي، يوم ما هرب جميع السكان شرقًا باتجاه طمرة، يوم ما حملِتْ فاطمة بنت سليمان من دار حمّاد زوجة غازي أبو الهيجا طفليها الحسن والحسين في شقتيّ خرج الحمار، ويوم ما وصلت نزَّلَت فاطمة الحسن والحسين، فلاقت الحسين مات! كان كله بعد عُرس عَبِد بثمانية أشهر و13 يومًا.
وراحت عليك يا عَبِد- وصُرِتْ شؤم البلد وكلّ مصيبة صارتْ معه، قالوا “يوم التقسيم“. الله يرحمك يا عَبِد… راح وراح معه التقسيم وراحت فلسطين وصارت الرويس حكاية شعبية تتوارثها الاجيال..
عن الرويس…
هي نسائم الخريف في ساعات العصر تحاول أن تثنيَ تلك الاشجار الشاهقة المرتفعة عن شموخها، ما استطاعت، وعلى مدخل بلدة الرويس كان لقائيبالسيد إبراهيم ابو الهيجا، العضو الفعّال في لجنة الدفاع عن مهجّري الرويس، الذي أكرم عليّ بكل ما لديه من معلومات عن القرية. والسيد ابراهيم، صاحب كتاب “الرويس ذاكرة لا تموت” كنز غني بالمعلومات القيّمة، سار معي في كلّ بقعة من الرويس، وسارت معنا اشجار التين والزيتون والرمان وخروبة الاولياء والفواكه على انواعها، ترافقنا الالقاب التي كانتتعطى للاشخاص وتسميتهم ملتصقة بأسماء أمهاتهم:يوسف الوضحى، عيسى السعدية… والشايب (مَن تزوّج للمرة الثانية وهو كبير السن وشعره شايب) والحلاق والشعار (عمله بناء بيوت الشَعِر) وغيره وغيره.. ونظرًا لأنها بلدة صغيرة جدًّا، استطعنا أن نتعرف على كل جهة وزاوية فيها بأقل من ساعتين!
كان بدء اللقاء بمحاذاة عين الماء، حيث توفّرتْ بئر عميقة (24 مترًا)، وقد بنيت البئر عام 1941، وهي عبارة عن بئر ارتوازي (نبع) يقع جنوب القرية، زوّدتالسكان بالمياه طوال أيّام السنة. كما تواجدتْ أكثر من قناة: قناة لري المزروعات وقناة تؤدي بالمياه العذبة الى مخازن الماء ومنها يملئ الناس جرارهم ويعودون بها الى بيوتهم، وما يبتقى لسدّ ظمأ الأغنام.
يؤكد الاستاذ ابراهيم ابو الهيجا، أنّ عدد سكان الرويس عام 1948 كان 383 نسمة مسجلين بالأسم، ومساحة الأرض 1100 كم (قد تكون المساحة غير دقيقة) حوالي 15 دونمًا للقرية وَ 222 دونمًا مزروعة بساتين وَ 844 دونمًا مزروعة حبوب، قمح، شعير، سمسم، بطيخ، وَ 82 أرض بور!
هذا وحوت البلدة على معصرة زيت استعملت حتى عام 1920 وبعدها خرُبَت وأهملت، ثمّ استولت “الكيرين كييمت“ على المعصرة بين الاعوام 1960-1965.
والرويس عبارة عن حارتين صغيرتين: الحارة الفوقى والحارة التحتى يفصلهما شارع في الوسط. لم تتوفر في البلدة مدرسة لقلة سكّانها، فكانوا ينضمون الى زملائهم على مقاعد الدراسة في طمرة وقرية الدامون القريبتين.
عند تجوالي في القرية، لاحظت كمية اشجار الصبر ولونها أبيض! وقد حدّثني السيد ابراهيم ابو الهيجا أنّ أشجار الصبر يتم رشّها بمبيد قاتل ومعدٍ ممّا يحوَّلها الى لون ابيض ويجعل ألواحها ايلة للسقوط، بحيث يتغلغل المبيد داخل أكواز الصبر والفروع المتسلقة عليه، فيجعلها هزيلة جدا، فتُطرى حتى تسقط كليا. ومن الواضح أن هذا العمل يهدف الى طمس معالم ما تبقى في القرية. (من الملفت أن هذه الظاهرة تتبع في عدة بلدات مهجّرة).
أصول سكان الرويس
حتى عام 1810 لم تكن بلدة الرويس مسكونة، يقال أنّ مع حملة صلاح الدين الأيوبي الى القدس عام 1187، أتى معه رجل عسكري واسمه حسام الدين أبو الهيجا وهو من العراق، نتيجة للانتصارات التي حظيت بها كتيبة العسكري حسام الدين، اقتطع صلاح الدين خمس قرى لعائلة ابو الهيجا وهي: كوكب أبو الهيجا، الحدَثة، عين حوض، سيرين والرويس.
سُكِنت القرى الاربعة ما عدا الرويس، وقد استغلها آنذاك سكان قرى ابو الهيجا للزراعة، اذ كان يأتي اليها المزارعون من الحدَثة لزراعة الارض في الصيف ويخيّمون شتاء فيها لجني المحصول.
عام 1810 قرروا السكن فيها واقامة بيوت، فأتت سبع عائلات من دار ابو الهيجا للسكن فيها. كان سكانها يعملون في زراعة الارض في القرية، وكذلك منهم من عملَ في مدينة حيفا، الذين كان يستقلون حافلات تنتظرهم في بلدة الدامون.
عند احتلال الرويس عام 1948، تسجّل فيها 78 بيتًا، وقد شهدت 230 قبرًا، وهي المقبرة الوحيدة قبل عام 1948 المسجَّلة بالاسماء، الاسم الرباعي والخماسي والسداسي.
علي بابا والأربعين حرامي..
تحتوي القرية على مغارة صخرية اكتشفت قبل حوالي 200 عام، وقد تم طمرها عندما بُنيَ شارع 70.على ما يبدو، يصدق عدد لا بأس به من الناس أن كنزًا ما مدفونٌ في الرويس وتحديدًا في تلك المغارة المطمورة، لوجود معلم لآثار كنز، منقوش عليه شارة صليب، وهي وفق علماء الآثار، مؤشّر لوجود شيء ما. ومن الملاحظ أيضًا أن أعمال حفريات تحصل في الخفاء وفي ساعات الليل المتأخرة أو الصباح الباكر بحثًا عن هذا الكنز الدفين. مَن يدري؟!
“إذا رميت السيجارة من طمرة ستصل الى الرويس“
بهذه العبارة يؤكد أهالي الرويس مدى قرب البلدة عن طمرة، فلا مسافة تقريبًا تبعدهما عن بعض، والرويس الواقعة من عكا شرقًا 12 كم، والواقعة شرق شارع 70 بين مدينة طمرة وقرية كابول، هي احدى القرى المهجرة منذ تموز 1948 وقد هجر اهلها الى البلدات المجاورة. 90% منهم يسكنون في طمرة والبقية في عبلين وشفاعمرو ولبنان.
بعد عملية “ديكل” العملية التي قامت بتفريغ القرى وترعيب سكانها في الجليل الاوسط، تحركت وحدات من لواء “شيبع” غربًا للسيطرة على عكا وعدد من قرى الجليل الغربي، وكانت الرويس التي سقطت في 15 تموز عام 1948 من بينها.
لم تكن مقاومة في القرية، هرب سكان الرويس خوفًا من وقائع القتل والضربات، وبعد أن وقعت قذيفة على محمد حسين أبو خليل أبو الهيجا فقتلته، لم يستطع أهل البلدة دفنه الا بعد ثلاثة ايام، وقد بني له قبر، الا أن القبر- الشاهد أزيل أكثر من مرة ويُعاث فيه فساد بشكل مستمر!
بعد فترة رجع جزء من الاهالي الى القرية، لكن الجيش قام بطردهم وهدم القرية ببيوتها، ولا يتذكّر الناس إلا عبِد وعرسه في يوم التقسيم.. لا فِرِح عَبِد ولا فرحوا أهالي الرويس..
نقد الذات..
حاولت وما زالت تحاول لجنة الدفاع عن قرية الرويس، اعادة ترميم بعض الامور في البلدة، أبسطها وضع مقاعد للجلوس لمن يرغب في التجول في الرويسوالاستراحة فيها، إلا أنه يتم كسر المقاعد بشكل دائم كما وترمى الاوساخ في كل مكان، حتى يتهيأ لك أنك في مكب للنفايات.. روائح نتنة تنبعث عند خروجنا من القرية الواعدة التي كانت تسمى الرويس- الرويسية العالية الشامخة الجميلة.. والسؤال المطروح هنا: كيف لشعب عاش النكبة والتهجير ان يوسِّخ تلك الأرض المقدسة التي جُبِلت بعرق وتعب الأقدمين وارتوت بدماء الشهداء.. كيف لنا ان نعيد احياء ما كان، وما فينا يحتاج الى ترميم واعادة صياغة للذات..كيف؟!
ومن الجدير ذكره، أنّ زيارتي المشهودة لقرية الرويس كانت بعد عرس عَبِد بـِ 71 سنة وشهر و9 ايام بالتمام والكمال.