تعرَّف على (الجامع الأبيض- النّاصرة) – فوزي حنا

 

********************
ارتبط الجامع بعائلة الفاهوم التي انحدرت من الشيخ عبدالله الفاهوم المولود في العام 1753الذي ما زال تأثيره واضحًا من حيث إدارة الجامع وأوقافه وسياسته.
قبل الجامع، لنبدأ بتعريف عبدالله الفاهوم، وهو عبدالله بن أحمد بن عبد الرّحمن الشّراكي الحاجبي، من عائلة خرجت من الكرك إلى سلواد ثمّ نين في مرج ابن عامر ثم إلى الناصرة، وعُرِف في الناصرة بالنّيني ثمّ لُقِّب بالفاهوم لسعة معرفته وشدّة ذكائه حيث كان قاضيًا في المدينة والقضاء، وحين احتلّ ابراهيم باشا المصري بلادنا سنة 1831 نفاه إلى القاهرة، فتعلّم في الأزهر ثم عاد.
أمّا عن بناء الجامع فيقول ابراهيم العوره صاحب كتاب (سليمان باشا العادل) إن أحد رجال الوالي سليمان واسمه علي وصل إلى مدينة الناصرة من عكا سنة 1812، وفي تلك الزيارة أُقِرّ بناء الجامع وشُرِع بالبناء، وقد وقع الاختيار على الشيخ عبدالله النيني (الفاهوم) لإدارته .
أمّا أسعد منصور صاحب (تاريخ الناصرة) فيقول إنّ الجامع بني بين 1805 و 1808 بعد أن كان المسلمون يصلّون في بيت ظاهر العمر (السرايا).
وجاء في السّجلّ الفاهومي أنّ الفاهوم تسلّم الجامع ودكاكينه من الحاج قدّوره سنة 1223 ه أي 1808م.
أما يعقوب فرح وهو من حمولة خليف روى سنة 1857 أن الجامع بني سنة 1785 والمئذنة سنة 1799 والمدرسة الفاهومية المحاذية سنة 1804. ويؤكّد هذه الرواية كتاب (جامعنا الأبيض) الذي صدر سنة 2013 بإشراف السيد عاطف الفاهوم ناظر الجامع ومتولي الأوقاف. وفيه يقول إن الجزار دعا الشيخ عبدالله النيني وعينه نائبًا له في الناصرة وأناط به مهمة بناء الجامع، ففي العام 1799 بني الرواق والمئذنة وسنة 1804 غرف التدريس والسور.
ويضيف الكتاب أن مرحلة الترميم الكبرى كانت في 1975/6 حيث تم تحديث البناء وتوسيعه وفي العام 1999 تم ترميم بئر الماء وتحويلها إلى متحف للمخطوطات القديمة.
وعودة إلى الجامع وأهميّته، حيث أن اسمه الأبيض لم يأتِ عبثًا بل لأن الأبيض رمز الطهر والنقاء، ولأن رسالة الجامع هي رسالة الإسلام الصحيح التي تدعو إلى التعامل مع الناس بمساواة تامة دون تمييز، واحترام البشر كإخوة، لهذا فإن خطب الجمعة منذ بني الجامع حتى اليوم تدعو الناس إلى المحبة ، وتتطرّق باحترام للديانات الأخرى.
نعود إلى دور عبدالله الفاهوم في هذا وكيف بقي معمولًا به حتى اليوم، فبعد أن أقرّ هذا الرجل العظيم سياسة الجامع وعمل بها سنوات أوصى قبل رحيله أن ابنه الأمين يتولى الأمر بعده ثمّ الأرشد بين أبنائه الذكور وهكذا، وإن تعذر فالرشدى بين الإناث وإن تعذر فإلى الحرمين الشريفين أو أحدهما، حيث لا تكون لسلطة مدنية دخل في الجامع وأوقافه، وهكذا حافظ هذا الجامع على رسالته وأوقافه حيث يعتبر وقفًا ذُرِّيًّا لذُرّيّة الفاهوم الذي لقي ربه سنة 1837.
وجدير بالذكر أنّا احترامًا لهذا الشيخ دُفِن قرب الجامع بمحاذاة المئذنة، ولهذا فعندما أراد القيمون على الجامع توسيعه وبناء مصلّى للنساء وغرفة لغسل الموتى، لم يكن أمامهم إلا بناء غرفة حول القبر وربطها بالمدخل بممرّ خاص .
ومن يدخل مصلى النساء يجد قرب مدخل المتحف الذي كان بئرًا، قبوًا تحت الأرض، يبدو أنه من أقدم المباني في الناصرة، قد يكون من الفترة الرومانية.

Post Tags:

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*
*