ليبيا بين فكي الاستعمار (الحلقة الاولى) – اسكندر عمل

خضعت ليبيا مئات السنين للحكم العثماني وفِي العام ١٩١١ احتلت إيطاليا ليبيا وأصبحت ليبيا مستعمرة إيطالية، وكانت دول شمال إفريقيا قد خضعت للاستعمار الفرنسي ( الجزائر عام ١٨٣٠ ، تونس ١٨٨٢ والمغرب عام ١٩١١).

قاومت ليبيا هذا الاستعمار منذ اليوم الأول بقيادة السنوسيين، لكن البطل الأبرز كان عمر المختار، أسد الصحراء، الذي اشتبك مع الإيطاليين المحتلّين لبلده في عدد كبير من المعارك واشتدّت مقاومته للإيطاليين بعد استلام الفاشيين الحكم عام ١٩٢٢، فقد شدّد الفاشيون قبضتهم على الليبيين، وكان رد فعل الليبيين حاداً وقاد المقاومة ضدهم عمر المختار وكان في الثالثة والخمسين من عمره عندما بدأ نضاله وامتدّ هذا النضال أكثر من عشرين عاماً إلى أن قُبِض عليه وأُعدم شنقاً عام ١٩٣١ وكان في الثالثة والسبعين.

من المعارك التي خاضها قبل وصول الفاشيين على سبيل المثال لا الحصر، معركة في ١٦ أيار ١٩١٣ وقد دامت يومين وانتهت بمقتل سبعين جندياً إيطالياً وجرح أربعمائة.

في العام ١٩٢٢ بعد سفر إدريس السنوسي إلى مصر مدعياً المرض، أصبح عمر المختار قائداً للثورة وقاد الهجمات ضد الطليان في بُرقة ورفض عمر المختار عدة عروض مغرية من الإيطاليين للتوقف عن محاربتهم منها إغراءات مادية ومناصب هامة. سافر إلى مصر لإطلاع السنوسي على مجريات الأمور وفِي طريق عودته من مصر إلى بُرقة مرّ ورفاقه في موقع يقال له بئر الغبي، فانقضت عليه سبع مصفحات إيطالية، ويقول عمر المختار أنّهم كانوا خمسين مسلّحاً واستطاعوا إحراق ست مصفّحات إيطالية ونجحت واحدة في الفرار.

في الفترة ما بين ١٩٢٣ و١٩٢٨ ألغت الحكومة الإيطالية الفاشية كل الاتفاقات مع السنوسيين وبدأت بسياسة جديدة أساسها الحرب والإخضاع بالقوّة.

هذه السياسة الجديدة أدت إلى تفجر حرب عنيفة في أنحاء الجبل الأخضر، وهنا لمع اسم عمر المختار وبدأ أبناء القبائل بالانضمام إلى صفوف المجاهدين بقيادته، وأخذت القبائل تمد المجاهدين بالمؤن والعتاد والأسلحة، وكان معسكر البراغيث مقر قيادة عمر المختار، وقد لقِّب بنائب الوكيل العام. اعترف حاكم بُرقة فيما بعد في مذكراته أنّ ملاحقة الثوار في الجبل الأخضر انهكت الجيش الإيطالي وليس الثوار فقط، وهذا يعني فشل هذه السياسة، إذ أنّ الضربات المتلاحقة التي وجهها

الثوار للجيش الإيطالي كان لها أثرها المعنوي السيّئ على الفرق العسكرية الإيطالية التي لم تستطع الرد على هجمات الثوار المفاجئة.

في العام ١٩٢٧ تولّى ميزني منصب القائد العام القوات الإيطالية في ليبيا وكان عضواً في الحزب الفاشي، وأرسل هذا القائد غرتسياني لاحتلال جغبوب(جنوب شرق ليبيا) وقد نجح في احتلالها واحتلال مناطق أخرى، بعد أن نجح في إقناع عدد من رؤساء القبائل بالكف عن دعم الثوار وقد أغراهم بالمال والدعم، من ناحية أخرى بدأ الرضا السنوسي بمفاوضات مع الإيطاليين وطلب من عمر المختار التوقف عن قتال الإيطاليين فرضخ الأخير إلى أن تتضح الصورة.

لم يتوقف عمر المختار عن مقارعة الإيطاليين ففي ٢٨ آذار ١٩٢٧ وقعت معركة بين الثُّوَّار والإيطاليين، وعرفت بمعركة الرحيبة وهُزِمت القوات الإيطالية بعد أن تكبدت خسائر جسيمة، وقد دفعت هذه الهزيمة الإيطاليين لتكثيف القوات استعداداً لاحتلال الجبل الأخضر وشملت القوة دبابات وسيارات مصفحةكذلك مشاركة لسلاح الطيران الإيطالي واشتبكت هذه القوات بقوات الثُّوَّار التي بلغت ألفي جندي في معركة عقيرة أم الشفاتير وقد نجح عمر المختار في خلق تكاثف قبلي ضد العدو المستعمر فانتهت المعركة بنصر على الإيطاليين واستشهد في العركة عددكبير من الليبيين وصل إلى مائتي قتيل.

لكسب الوقت قرّرت الحكومة الإيطالية بالبدء بمفاوضات مع عمر المختار وماطلت في عقد اللقاءات معه كي تكثف قواتها وتعيد تنظيمها ، من ناحيته رفض عمر المختار كل الاقتراحات الإيطالية لأنها لم تضمن أي حق سياسي للليبيين.

عندما تأكد عمر المختار أن لا جدوى للمفاوضات مع المحتل المستعمر خطب في ابناء شعبه ومجاهدي هذا الشعب قائلاً: “فليعلم إذاً  كل مجاهد أنّ غرض الحكومة الإيطالية إنّما بث الفتنة والدسائس بيننا لتمزيق شملنا وتفكيك أواصر اتحادنا ليتم لهم الغلبة علينا واغتصاب كل حق مشروع لنا، كما حدث كثير من هذا خلال الهدنة لكن بحمد الله لم توفق إلى شيئ من ذلك.

ليشهد العالم أجمع أنّ نوايانا نحو الحكومة الإيطالية شريفة وما مقاصدنا إِلَّا المطالبة بالحرية، وإنّ مقاصد إيطاليا وأغراضها ترمي إلى القضاء على كل حركة قومية تدعو إلى نهوض الشعب الطرابلسي وتقدمه، فهيهات أن يصل الطليان إلى أهدافهم ما دامت لنا قلوب تعرف أنّ سبيل الحرية بذل كل مرتخص وغالٍ، لهذا نحن غير مسؤولين عن بقاء هذه الحالة الحاضرة على ما هي عليه حتى يثوب أولائك الساعون إلى القضاء علينا إلى رشدهم ويسلكوا السبيل القويم ويستعملوا معنا الصراحة بدل المداهنة والخداع”.

في شهر تشرين الأول١٩٢٩ نجح الطليان في الانتصار على المجاهدين في معركة كبيرة وفِي أيلول ١٩٣١ قُبِض على عمر المختار وبعد القبض عليه قال عنه غرتسياني القائد الإيطالي الذي حاربه لسنوات طويلة “هذا الرجل أسطورة الزمان، الذي نجا آلاف المرأت من الموت ومن الأسر واشتهر عند الجنود بالقداسة والاحترام لأنّه الرأس المفكر والقلب النابض للثورة العربية في بُرقة، كذلك كان المنظّم للقتال بصبر ومهارة فريدة لا مثيل لها سنين طويلة”.

في ١٥ أيلول ١٩٣١ جرت له محاكمة صورية في بناء البرلمان القديم، وفِي ١٦ أيلول تمّ إعدامه شنقاً. يتبع

Post Tags:

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*
*