بائس شاحب حلّ الرّبيع هذه الأيام – فوز فرنسيس


فالعيون شاردة مبحلقة في شاشات التلفاز والحواسيب والهواتف الذكيّة..
تتابع أخبارا محلية وعالميّة..
الأنوف مغطّاة بكمّامات واقية خشية فيروس قديم حلّ على حين غفلة بثياب جديدة
“كورونا” أسمَوْه .. يتبختر هنا وهناك دون رادع.
الأفواه كذلك معرّضة للخطر .. مُكمّمة هي الأخرى.. قلّ كلامها بعد أن كان يوميّا لا يعدّ ولا يحصى..

من رحَّب بك يا ربيع كما يليق بموكبك؟!
من أسَرتْه بسمتك ؟؟
كلّ البسمات فاترة بالكاد تُرسَم لِلَحظات على الوجوه وسرعان ما يخفِتُ إشراقُها..
أين الأيادي تُلاطف مباسمَ أزاهيرك
أينَ الصغار يتهافتون يختطفون وردة من حوض يعبثون بها حينا ويشمّون شذاها ..
أين العشّاق كالفراش يهيمون لا تسعهم المروج يهدون بعضهم الأزاهير ..
يسارعون لحفظ بَتَلات البرقوق خشية أن تتبعثر ..

وما بال الشعراء أيضا.. ربّما قلّة نادرة من انتبه لحلولِك وهلّل لقدومك.. ما بهم .. من عكّر صفو أخيلتهم !!
أما استهوت قندولة في الطريق ناظرهم؟!
يبدو أن حالات الإلهام في قلق وتوتّر فما استرعت شقائق النعمان انتباه أحد..

طلبةُ المدارس هم أيضا ما تغنّوا بك
ظلّ شعر “البحتريّ” يغطّ في سبات هذا الموسم وما فُتحتِ الكتب لتُقرَأ كلماتك
“أتاك الربيع الطّلق يختالُ ضاحكا..”
فالطلّاب ممنوعون من الذهاب للمدارس والدراسة تعطّلت .. فَكيف يُقيم لك أحدهم احتفالا..
بِتْنا يا ربيع الحسن والجمال مُتقَوْقعين في المنازل.. الخروج إلى الطبيعة محظور .. محظور
حتى لذّة التفكير بمعنى الحياة لا تستوقف كثيرين
وكلمات “دموس” أيضا
“فَما مثل الطبيعة يا فتاتي.. ففي صفحاتها معنى الحياة”
باتت أمرا مشكوكا بصحّتها وصلاحيّتها .. تتطلّب إعادة نظر ..

ليس العيبُ فيك يا ربيع.. فقد أتيت في ميعادك ولم تتوانَ وتتكاسل..
ها هي الربوع خضراء يانعة
ها هي الرّياض كَسَتها سجاجيد أروع من سجاجيد فارس رونقا وانسجاما
أحمر أصفر هنا .. بنفسجيّ خجول هناك..
وأخضر متفاوت في كل الجنبات..
ليس الذّنب ذنبك
نحنُ يا ربيع مشغولون الآن فلا تعتَب ..
مثقَلون بهُموم غافلتنا بغير ميعاد، ثقيلة الظلّ ..
صغيرة الحجم عظيمة الفِعل رهيبة النتيجة
اكتسحت كوكبنا فما نفعتنا طائرات ولا أسلحة مدمّرة ولا علم في الهندسة الوراثيّة ولا طبّ..
طالت إقامتها فما شفعت تعويذةٌ في إزاحتها
ولا خرافة عجوز في كفّ بلاها
ولا حتى صلاة في طرد شرّها عّنا..

إرأف لحالنا.. لا تبخل بجمالك فنفوسنا عطشى لجمالٍ حقيقيّ
أنشر شذى عبيرك
قد تخترق أنوفنا وأفواهنا المتجمّدة المذعورة ..
كن جميلا كن كريما لكائنات أخرى تستحقّ الحياة..
هي الحساسين والعنادل بانتظار سحرك.. لتتراقص على الفروع المزهرة مغرّدة..
قد يصلنا صدى شدوها…

كن خلّابا فالفراشات قد تستعير بعض ألوانك
فنرى حسنها عمّا قريب..

كن حلوَ المذاق ..
هو النحل قريبا يخرج ليَشْتار رحيق أزهارك..

كن جميلا واعذر قلّة اهتمامنا وتريّث…
قريبا قريبا نستعيد ذواتِنا..
نعود لنحتفي بك ومعك ونَعثر في صفحاتك على معنى الحياة ..

Post Tags:

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*
*