الحزب الشيوعي الإسرائيلي ومشروع ابتعاث الطلاب للدراسة الاكاديمية في الدول الاشتراكية – د. سمير خطيب
- by منصة الراي
- April 23, 2020
- 0
- 636  Views
- 0 Shares
يكتفي البعض بقصر حديثهم عن هذه الظاهرة باعتبارها مجرد منحدراسية ، متجاهلين حقيقة أن القضية تتعدى الدراسة الاكاديمية الذاتيةالى تحويل أقلية قومية مهمشة، تعاني التمييز المكاني والمعرفي، وتفتقرللإمكانيات المادية، وتعاني من الملاحقة والاضطهاد ، إلى أقلية واعيةأكاديميًا وعلميًا تضاهي الاكثرية العنصرية اليهودية (وخصوصاالقادمون من اوروبا) عن طريق برنامج منظم مدروس، قادهُ الحزبالشيوعي الاسرائيلي منذ سنوات الستينات مستغلا علاقاته الوطيدة معالاحزاب الشيوعية في الدول الاشتراكية وذلك للمساهمة السباقة فيتقوية الرأسمال البشري ,والتأهيل العلمي والمجتمعي للأقلية الفلسطينيةفي إسرائيل ، وهو باعتقادي أرقى ما تستطيع أن تقدمه حركة سياسيةلتغيير وجه شعبها وإخراجه من التخلف إلى التقدم.
إن من آثار النكبة الصادمة عدا زعزعة الهوية وفقدان الأرض وغالبيةأهلها ، هو انقطاع التواصلِ الجغرافي والثقافي مع باقي مكوناتالشعب الفلسطيني والعالم العربي ، وأن غالبية المثقفين والمتعلمينواصحاب رؤوس الأموال الفلسطينيين قد هُجِّروا عام 1948 وبقيت أقليةغير منظمة غالبيتها من العمال والفلاحين ذوي الامكانيات الماديةالمحدودة، ولهذا كان الجانب الاكاديمي في آخر سلم أولويات العائلاتالتي اهتمت أولا بالطعام والمسكن ، وتعزيز سبل الصمود والبقاء، ولهذافقلة قليلة منهم فقط استطاعت أن تنهي المدرسة الابتدائية، وقلة أقلاستطاعت ان تنهي المدرسة الثانوية بسبب قلة المدارس وبسبب الاوضاعالمادية الصعبة , مما اضطر الاهل إلى إخراج أبناءهم الى سوق العملباكرا للمساهمة في الأعمال الزراعية للوصول إلى الاكتفاء الذاتيالمعيشي الاولي، وبالرغم من كل ذلك لا يمكن الا التأكيد على دور الحزبالشيوعي في الحفاظ على الهوية واللغة العربية والثقافة والحضارةوتجديدها وهي من أولى المعارك التي قادها الحزب للحفاظ ولتقوية البنيةالوطنية والثقافية لشعبنا.
نتيجة لما ذكر أعلاه استطاع عدد قليل الحصول على شهادة إنهاءالثانوية حيث تبدأ مرحلة أخرى من المشقات والمصاعب وهي قبول عددمحدود من الطلاب العرب خاصة في مواضيع مثل الطب والمحاماة،ناهيك عن تكلفة التعليم الباهظة ،ومن كان يملك كلفة التعليم كان عليه أنيواجه مشكلتين حتى البدء بالدراسة ، الأولى الحصول على تصريح منالحاكم العسكري والثانية، الدراسة في أجواء عنصرية ومعادية حيث أنالكثير من اليهود كان يرفض تأجير الطلاب العرب شقق للسكن ، ولهذانستطيع القول أن قلة قليلة من الطلاب العرب استطاعت إكمال تعليمهاالجامعي، ولكن يبقى السبب الاساس والرئيسي لهذا الوضع والمسؤول الاول هي الحركة الصهيونية ودولة إسرائيل التي اعتمدت سياسةالتجهيل ومستوى التعليم المنخفض في الوسط العربي وفصل المعلمينالوطنيين وابتزازهم سياسيا ، والعراقيل التي وضعتها الجامعات للحد منوصول الطلاب العرب ناهيك عن التمييز في العمل والمسكن والمنحالدراسية .
عندما أرسل الحزب الطلاب للدراسة الاكاديمية في الدول الاشتراكية كانيعرف حاجة مجتمعنا الماسة لهذه الشريحة لكي تساهم في النهضةالبنيوية للمجتمع الفلسطيني وتعزيز قدراته الذاتية للمساهمة في معركةالبقاء في الوطن, ففي حين كان عدد الاكاديميين قليل جدا استطاعالحزب الشيوعي خلال الفترة التي استمرت من اواخر الستينات حتىسنة 1991 من ابتعاث آلاف الطلاب الى تلك الدول وعادوا الى احضان شعبهم ليساهموا في نهضته، فكان في أغلب القرى أن أول طبيبومهندس او محامي او باحث نفسي من هؤلاء الخريجين ، وقد يدعيبعض المغرضين أن الحزب استغل المنح لتقويته ، وهنا أجيب أن الحزبلم يرسل إلا رفاقه او أبناء رفاقه الذين هم أصلا في الحزب ولم يشترطعلى أحد الانضمام للحزب للحصول على منحة، وكانت معاييره ثابتةوصارمة في اختيار هؤلاء الطلاب كالتحصيل العلمي والوضعالاقتصادي والنشاط السياسي وباعتقادي هي شرعية وصحيحة في كلمكان وزمان.
لماذا نقول ابتعاث وليس فقط الارسال للتَعَلُم ؟
1- الحزب لم يلق هؤلاء الطلاب إلى غياهب الجب، وقال اسبحوا كماتشاؤون ، بل كان على كل طالب أن يمر دورة تثقيفية مركزة لإعداده لأيحوار أو نقاش سياسي كي يكون قادرًا على طرح الموقف السياسيالصحيح، بدون مزاودات وبدون الوقوع في المخاطر الأمنية، لكي يحميالطلاب من طيش الشباب والانجرار نحو مواقف لا تحمد عقباها، وكانيعد الطلاب لعملية التثاقف المستقبلية، لانهم سيلتقون مع طلاب من عدةثقافات ولأنهم سيعيشون وسط حضارة تختلف عن حضارتنا وعاداتنا ،وما زلت أذكر كيف أنهى طيب الذكر إميل توما الدورة التحضيرية حينماقال :” تذكروا أنكم سفراء شعبكم ،فكونوا خير سفراء”.
2-الحزب كان يبني تصورا شاملا من خلال مسح احتياجات شعبنا فيمختلف المجالات وكان يوجه وينصح المتقدمين باختيار المواضيع اللازمة ، وبالرغم من أن الغالبية العظمى اختارت دراسة مواضيع ومهن حرةومستقلة نسبيا مثل الطب والهندسة والمحاماة وذلك انطلاقا من اعتباراتسوق العمل والحواجز البنيوية فيه ، ورغبتهم في الاندماج فيه بسهولة ،الاأن قيادة الحزب كانت دائما تسعى لتوجيه الطلاب الى مواضيع أخرى كالعلوم الانسانية والمسرح والموسيقى والرسم من باب استقراء .nation buildingالاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية والمهنية والثقافية كجزء من مسؤولية الحزب التاريخية في بناء الامة الأمة
3- الحزب كان يتابع دراسة وإنجازات الطلاب أثناء الدراسة ، ويرسل كلسنة ممثلا عنه للقاء الطلاب والاستماع الى مشاكل الطلاب الخاصةوالعامة ويحاول ايجاد الحلول لها ، ويتواصل مع الاهل ويخبرهم عنصحة وسلامة ابناءهم ، ولم يتوانى إذا لزم الأمر عن إعادة الطلابومنعهم من متابعة التعليم ، لأنه كان بهذا يعد مجموعة منظمة مستقرةلقيادة النهضة العلمية والأكاديمية في مجتمعنا الفلسطيني في بُعد بناءالموارد البشرية الواعدة.
4- الحزب كان يسعى أن يأخذ توزيع المنح اوسع انتشار , وكان يراعي التقسيم الجغرافي والجندري في توزيعها ، حيث يأخذ بالحسباناحتياجات ومتطلبات كل شريحة مجتمعية، مساهمة منه بأن تحظى كلالفئات بالاهتمام المطلوب، ولهذا كان يبذل جهودا جبارة لزيادة اعدادالمنح ، وكانت عملية اختيار المرشحين للدراسة من اصعب القضاياواعقدها ، وأحيانا كلفت الحزب غضب واستياء الكثيرين.
5- الحزب كان يعرف أن النظام الاشتراكي وعلى رأسه الأحزابالشيوعية يرفضون مبدأ “شراء العقول ” اي استغلال الموارد البشريةللشعوب المتبعة في الدول الرأسمالية ، حيث كان لا يُسمح للطالب البقاءفي بلد التعليم ، انطلاقا من موقف مبدئي وهو إعداد الكوادر العلميةخدمة للشعوب وتطورها، بخلاف ما يجري في باقي الدول فقد يحصلالطالب على منحة دراسية اكاديمية ويستمر بالعيش خارج بلده بسببالاغراءات التي قد يقع تحت طائلتها وبهذا لا يستفيد شعبه او وطنه منعلمه.
ان دراسة هذه الظاهرة تؤكد على النهضة الشاملة التي جلبها هذاالمشروع والنقلة النوعية التي أحدثها في المجال العلمي والثقافي بينأبناء شعبنا الذين للأسف ما زال البعض منهم يحاول فاشلا النيل منالانجازات التي تم تحقيقها نتيجته بالذات , ولا ابالغ إذا قلت انه يصلحلان يكون مشروعا بحجم دولة او ثورة تحررية.
لن أتطرق في مقالي هنا للدور الذي لعبه هؤلاء الخريجين في النهضةالبنيوية والعلمية لشعبنا كي لا أستبق نتائج البحث العلمي الموسع الذيتجريه رابطة خريجي جامعات روسيا والاتحاد السوفياتي بالبلادبإشراف البروفسور خالد عرار صاحب الشهرة العالمية في الابحاثالعلمية في مجال التعليم حول دور خريجي الاتحاد السوفياتي فينهضة الاقلية الفلسطينية في إسرائيل وسياقها الزماني والمكانيوالوطني والعلمي ، ولكني اشكر ممنونا دول المنظومة الاشتراكيةوخاصة شعوب الاتحاد السوفياتي على دورهم الانساني والسياسيومساهمتهم في كسر الطوق المعرفي المفروض علينا وإتاحة الفرصة لناالتعلم هناك ، وأن أشيد بدور الحزب الشيوعي الطليعي حيث نظم وأدارالموضوع كمهمة وطنية من أجل بناء ونهضة الأقلية الفلسطينية فيإسرائيل في مسعاه نحو بناء الأمة.
د. سمير خطيب
رئيس رابطة خريجي جامعات روسيا والاتحاد السوفياتي بالبلاد