أرى أرؤساً قد اينعت لحصادها
- by منصة الراي
- June 10, 2020
- 0
- 4012  Views
- 0 Shares
في العام 1854 منح سعيد باشا إمتياز حفر قناة السّويس لشركة فرنسيّة وكان هذا عقداً مشؤوماً إذ مُنِحت الشّركة امتيازاتوأصبحت بمثابة دولة داخل دولة. وتمّت عمليّة الحفر في فترة سعيد باشا وبعده الخديوي اسماعيل، وقد تورّط اسماعيل بديون باهظة، نتيجة التّعويضات الّتي دفعتها الحكومة المصريّة لشركة القناة لإخلال الأخيرة بأحد شروط الامتياز، كذلك بسبب شراء اسماعيل لقب خديوي من السّلطان العثماني وأعمال عمرانيّة كثيرة قام بها، فاضطر إلى بيع أسهم مصر في قناة السّويس، لكنّ هذا لم يساعد في سداد ديونه المتزايدة بسبب الفوائد العالية الّتي فرضت على هذه الدّيونالّتي بلغت أكثر من مائة مليون جنيه.
أثارت أعمال الخديوي اسماعيل المتهوّرة غضب الشّعب وازدادت الرّغبة في الثّورة ضدّ الظّلم والطّغيان في هذه الظّروف يرتفع صوت الشّاعر المصري محمود سامي البارودي مجلجلاً عام 1869 مطالباً شعبه بالقضاء على اسماعيل وحكمه المتعفّن قضاءً مبرماً في قصيدة اخترت منها هذه الأبيات:
فيا قوم هبّوا إنّما العمر فرصة وفي الدّهر طُرْق جمّة ومنافع
أصبراً على مسّ الهوان وأنتمُ عديد الحصى؟ إنّي إلى الّله راجع
وكيف ترون الذّلّ دار إقامة وذلك فضل الّله في الأرض واسع
أرى أرؤساً قد أينعت لحصادها فأين – ولا أين = السّيوف القواطع
يحثّ البارودي أبناء شعبه ألّا يضيعوا الفرص فيثوروا ثورة عارمة مدمّرة على ظالمهم وأعوانه، الّذين يذيقونهم ألوان الهوان والذّل الّذي لا تستطيع النّفوس الأبيّة أن تحتمله بل يدفعها ذلك إلى الانتقام لعزّتها وكرامتها من أعدائها. وتبلغ الثّورة ذروتها في نفس البارودي فيشبّه رأس اسماعيل ورؤوس بطانته بالثّمار النّاضجة الّتي حان قطافها وعلى الشّعب أن بمدّيديه ويقطفها ولكنّ الشّاعر يشعر بخيبة أمل إذ أنّ الشّعب لا يثور ولا يتمرّد في الحال.
صحيح أنّ الشّعب المصري لم يثر في الحال، لكنّه ثار فعلاً ونتيجة للأسباب الّتي ذُكِرت ثورة عارمة هي ثورة عرابي باشا 1881- 1882 ، وكان لشاعرنا البارودي دور هام في الرّوح الثّوريّة الّتي أشعلت الثّورة فقد شكّل حكومة وطنيّة قبل ثورة عرابي ورغماً عن الإنجليز إلّا أنّ الإنجليز أرغموا الخديوي توفيق على إقالتها.