الدراسة في البيت – بقلم اسكندر عمل

لم تكن الدراسة في البيت سهلة فقد عاشت الأسرة كلها في غرفة واحدة وفي الصفوف الابتدائية لم تكن القرية موصولة بالكهرباء لذلك كان عليّ أن أدرس على ضوء القنديل ولوقت محدد فالقنديل يجب أن يُطفأ على التاسعة مساء، ساعة نوم العائلة، لذلك كان عليّ أن أستيقظ مبكراً مع طلوع الفجر لأكمل ما بدأت به مساء، وكنت شغفاً بالقراءة فلم أكتفِ بكتب التدريس فكنتُ نهماً في قراءة القصص والروايات وكنت أستغل كل دقيقة لأقرأ صفحة إضافية. عندما وصِلت القرية بال كهرباء لم يستطع كل أهل القرية إيصال الكهرباء إلى بيوتهم لأنّ ذلك تطلّب دفع مبلغ كبير لشركة الكهرباء، لكنّ الشركة أضاءت الشوارع بوضع فوانيس كبيرة على أعمدة الكهرباء وهذا الأمر كان هدية من السماء لي ، فقد أخذت بالقراءة على ضوء قناديل الكهرباء المعلّقة على أعمدة الكهرباء.
اليوم يملأ الأولاد ساعات فراغهم وأحياناً ساعات دراستهم في تتبع وسائل الاتصال أو التواصل الاحتماعي أمّا جيلنا وأنا شخصيّاً فكنت أحفظ القصائد الطويلة عن ظهر قلب وأتمرن على إلقائها وحدي، حتى أنّ معلمي للغة العربية في الصف السادس اقتادني إلى الصف الثامن كي ألقي قصيدة أمامهم كمثال للإلقاء الصحيح.
وهكذا في المدرسة الثانوية لم نتعلم قصيدة إلّا وحفظناها كلها وتمتّعنا بإلقائها متعة لا توصف، وبقيت حافظاً لعدد كبير منها وقد تفاخرت بذلك أمام طلابي حين أصبحتُ معلماً للغة العربية. ففي مسرحية مجنون ليلى التي بقيت في المنهاج الدراسي وكانت كذلك في أيامنا كنت أصحح لطلابي أخطاءهم اثناء القراءة دون أن يكون الكتاب بين يديّ فقد حفظنا في الثانوية المسرحية كلها شعرها ونثرها عن ظهر قلب.
لم تكن الظروف التي تعلّم فيها جيلنا سهلة فقد كانت معظم غرف المدرسة مستأجرة وكانت أرضية الكثير من الغرف ترابية وكان علينا أن ننتقل من غرفة إلى أخرى مستأجرة بعيدة عن الأولى. ولم يزعجنا نهيق حمار هنا أو نباح كلب هناك فقد كان هذا مشهداً مكملاً للغرف المستأجرة التي تعلمنا بها. حتى أنّ بعضنا تندر فكان يرى في نهيق هذا الحمار بداية للحصّة ونباح ذاك الكلب نهاية لها.

فصل من كتابي الذي سيصدر قريباً مسيرة إنسان.

Post Tags:

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*
*