رأس النّاقورة – فوزي حنا

الرّأس، جغرافيًّا، هو المكان البارز عمّا حوله، قد يكون رأس يابسة حين تبرز عن الشاطئ إلى داخل البحر، كما رأس الكرمل ورأس الناقورة في بلادنا، وكما آلاف الرّؤوس الشّهيرة في العالم.عرفنا مصدر كلمة الرّأس، أما النّاقورة فمن (نَقَرَ) أيّ (ثَقَبَ)، وفي هذا الرّأس مغاور هي النّواقير، ثمّ إن ل(نَقَرَ) معنىً آخر مكمّلًا الصّورة، فنَقَر الطّبل أي ضرب الطّبل، وصوت ضرب الموج وانفجار الهواء المحصور في النواقير يشبه ضرب الطّبل، فكانَ قبل فتح نفق السّياح الجديد صوت النّقر في فصل الشتاء يُسمَع من بعيد فيعرف الفلّاح أن العاصفة مقتربة، يسرع عائدًا من حقله، فقالوا (نقرت الناقورة) أي اقتربت العاصفة.يرتفع الجبل فوق الماء حوالي 300 متر، بانحدار شديد، بحيث لا يبقي أي رقعة يمكن عبورها بسهولة بينهما، فاضطرّت القوافل والجيوش للصّعود إلى ظهر الجبل والانحدار معه من الجهة الأخرى، فأعطوا للطّريق اسم (سلّم صور) على اسم المدينة القريبة، ولأن الجبل كثير الوديان والتي تقسمه لقطاعات كرغيف خبز، سمّي (المشَقح).عبرته جيوش كثيرة، لعلّ أشهرها جيوش الإغريق والفراعنة.في زمن الانتداب البريطاني، وتحديدًا في 24 آب 1942 تمّ افتتاح نفق سكّة الحديد بين حيفا وبيروت، بعد عمل دام سنة ونصف، طول النّفق  نحو 200 متر.وفي ليلة 17 حزيران 1946 فجّرت عصابات (الپلماح) الصّهيونيّة جسر الزيب كغيره من الجسور التي تربط فلسطين بما حولها، إثباتًا لوجودهم ووزنهم، ودليلًا لإصرارهم على السّيادة على البلاد، وسمّيت عمليتهم (مركوليت) أي بضائع، وما حدث في جسر الزيب أن الانفجار حصل قبل مغادرة العناصر فقُتِل 14 منهم.أعاد الجيش البريطاني الجسر لسابق عهده وعاد القطار ليصل من حيفا إلى بيروت، حتّى قامت دولة إسرائيل سنة 1948 ليمرّ خط الحدود بينها وبين لبنان في وسط النّفق.تحوّل الجانب الإسرائيلي من النفق والنواقير إلى متنزّه عام، فيه قطار الكوابل (تلفريك) وعرض صوت وضوء وجولة ممتعة في النواقير وما حولها، ويبقى الجانب اللبناني(مع شديد الأسف) في غاية الإهمال.

Post Tags:

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*
*