مَشْرُوع الخُلْطْ بُلْطْ – راضي شحادة
- by منصة الراي
- August 20, 2021
- 0
- 625  Views
- 0 Shares

-1-
“دُحْريجة” على جبل المكبِّر:
لم يكتفِ الجنودُ بتكسير العظام وممارسة كلّ صنوف التّعذيب على جسد الشّعب، بل أرادوا أنْ يُلقّنوه درساً يُثني عزيمته عن المطالبة باستعادة وطنه أو بعضه، محاولين شَلَّ تفكيره وحركته لمنعه من التّخطيط المستمرّ بضرب الاحتلال مؤقّتاً بالحجارة والمقاليع والزّجاجات الحارقة.
استغرقت العمَليَّة أربع ساعات استطاع الجنود والشّرطة ورجال المخابرات، والدّبابات وسيارات الحرب المختلفة أنْ يجمّعوا 300 شابّاً من البلدة، وساقوهم الى سفح الجبل وأجلسوهم هناك، وبدؤوا بإذلالهم:
– انت قف وابق واقفاً.
– انت اركع.
– انت ممنوع التّدخين.
– انت ارفع يديك الى أعلى وابقَ هكذا.. وهكذا وهكذا وهكذا..
ولكنّ الشّباب رفضوا الانصياع لأوامر الجنود..
المفاجأة الكبرى كانت عندما ظهر من أعلى الجبل تيّار بشري جارف من النّساء يزيد على 700 امرأة كنّ قد تنظّمن أسرع من انتظام الجنود عند تجميعهم للشّباب؛ ونزلت النّسوة على الجبل كأنّهن جلمود صخرٍ حَطَّه السَّيلُمن علِ، فتحوّل الجلمود الى حجارة من سجّيل نزلت على رؤوس الجنود..
لا بدّ من اتّخاذ قرار سريع، والمطلب واحد: إطلاق سراح الشّباب أو لا هدنة.
والهدنة بالنّسبة للجنود في هذه اللحظة حسب رأي القائد أفضل، لكي لا يزيد الطّين بلّة على ما زاد عليه من فضائح أمام العالم، حيث يظهر الشّعب حاملاً حجراً أمام جنود مع أحدث الأسلحة العصريّة.
استهواني مشهد تدحرج النّساء الفلسطينيّات كجلمود صخر حطّه السّيل من جبل المكبِّر، بل إنّهن يوحين إليّ بفلسفة جديدة يَطغى عليها عنصر الدّحرجة والتّدحرج.
وفي باب التّدحرج وما يتأتّى عنه من حركة جذّابة للذين يحبّون الحركة من أمثالي من محبّي المسرح، قِصَّة تختلف كليّاً عن تدحرج النّسوة الفلسطينيّات كجلمود صخر متدحرجٍ من أعالي جبل المكبِّر. هذه المرّة كان اقتراح التّدحرج مختلفاً كليّاً عمّا كان عليه على جبل المكبر. وللحقيقة فالمشروع المختلف هذا مقدّم من نساء أو رُبّما من إحدى نساء صهيون. إنّهتدحرُج من نوع آخر، ولكنّه على جبل صهيون هذه المرّة:
****
-2-
“دُحْريجة” على جبل صهيون:
اتَّصلتْ بي كأحد المهتمين بــ”الحركة الخلاّقة”. لا أعرف إنْ كان اصطلاح”الحركة الخلاّقة” هو الشّكل الصّحيح في لغتنا العربيّة والمساوي لما ترجمته عنها من العبرية: “تْنُوعَاه يِتْسِيرَاتَيتْ”.
أرادت أنْ تعرف رأيي في مشروعٍ تريد أنْ تقوم به هي وزملاؤها وزميلاتها من ورشة الــ”تْنوعاه يِتسيرَاتِيتْ”، والمشروع مغرٍ للغاية إذا ما وصل الى النِّهاية المتوخّاه منه. قالت:- “سيكون المشروع مشتركاً بين العرب واليهود. نحن من سكّان القدس،وبما أنّنا توحّدنا قلباً وقالباً في قدس موحَّدة لا ثاني ولا ثالث لها(تحت سقف إسرائيل طبعاً)، فكّرنا أنّه يجب اختيار موقع جيّد ننطلق منه في تدحرجنا المشترك مع بعض. رَسَا الاقتراح على قرار بأنّ أفضل مكان للتّدحرج سويّاً هو “جبل صهيون”. هناك على جبل صهيون يوجد منحدَرٌ مغرٍ للتّدحرج ومفروش بالعشب الطّري كالفراش تماماً، علينا أنْ نجتمع، نصفٌ منّا ونِصفٌ منكم، ونتدحرج سويّاً على الجبل، ونختلق لأنفسنا حركات خَلاّقة تزيد من اقترابنا وتفاهمنا. هناك على أطراف جبل صهيون يوجد أطفال يلعبون بالحجارة، ومن شدّة حماسهم يقذفون الحجارة وسط الشّارع، بل هم يستعملون الصّخور في لعبتهم، بل طوّروا لأنفسهم طُرُقاً جديدة للّعب بالحجارة والقذف بها بطرق مختلفة، بل إنّهم يصيبون هدفَهم بها كالقنّاصة، وبذلك يعرّضون أنفسهم لخطر الجنود والسّلاح الموجَّه الى صدورهم أو في الهواء”.
آه على التّدحرج على جبال القدس ما أحلاه. تتفنّن الشّعوب في أيّام انتفاضاتها في تحليل كلّ “دحريجة” صغيرة كانت أو كبيرة من تدحرج الحجارة أو الصّخور، الى تدحرج جلمود النّسوة الفلسطينيّات كجلمود صخر حطّه السّيل من جبل المكبر، الى تدحرج اليهود والعرب بعضهم على بعض وفوق بعض على فراش من عشب على جبل صهيون القدس الموحّدة إسرائيليّاً..
سيقول البعض إنّ هذا هو الزِّنا السّياسي والجماعي بعينه، وسيقول آخرون لماذا هذا التّشنُّج، فلنجرّب ورُبَّما ستكون نتيجة هذه الدّحريجة المختلطة هي الطّريق الجديد نحو الأمميّة، ويبقى أنْ نحدّد مُسبقاً أنْ لا يمتلكوا النَّسل النّاتج ويحتوونه، فنذوب فيهم بدلاً من أنْ يذوبوا فينا.
قلت لها:
– فكرة رائعة، ولكن في هذه اللحظة بالذّات أولادنا على جبل الطّور مسرورون بدحرجة حجارتهم، والتّفنّن بضربها. إنّها جزء من حركتهم الخلاّقة التي أبدعوها لأنفسهم في زمن الحرّيّات المفقودة، والبارود وتكسير العظام والقتلوالغاز المسيل للدّموع، والـمُـجهِض للحوامل الفلسطينيّات فقط. إنّها لعبتهم التي اختاروها بمحض إرادتهم ليعبّروا من خلالها عن حرّيتهم في الخلق والإبداع، بل هي ضربٌ من ضروب بحثهم عن حرّيتهم من أجل استعادة وطنهم المسلوب من أيدي الغزاة. فلماذا نحن في هذه اللحظة بالذّات نريد أنْ نغيّر لهم اتّجاه لعبهم؟ في هذه اللحظة الحرجة من تاريخ شعبنا وأمّتنا دَعينا وأطفالنا ونساءنا ورجالنا نتدحرج على الطّريقة الفلسطينيّة، وعندما يحين الوقتالمناسب سنتدحرج سويّاً على أسلوب “الخُلْط بُلْط”. عليكِ الآن أنْ تقنعي أبناء إسرائيل بأنّك حقّاً تقِفين الى جانب تلك اللعبة التي يلعبها أبناءفلسطين على جبل الطّور والمكبِّر، وبعد أنْ يقتنع بنو صهيون بحقّنا بحرّيّة اللعب والتّدحرج كما نشاء، وبدون رقابةٍ أو قيدٍ أو شرط، وبالحركة الخلّاقة التي تناسبنا، عندها سأكون أنا أوّل المتدحرجين معكِ -بلا قافية- ليس على جبل صهيون أو جبل الطّور أو جبل المكبّر فحسب، بل في أي مكان يشبه ذلك العشب المفروش على تلك الجبال المقدّسة، وسنعيد طقوس عشتار الأم الأولى، وعندها سنتدحرج على الفراش المفروش وإن اقتضى الأمر فــ”مع قافية”.
وكان اقتراحي مغرياً لها ولي في نهاية المطاف، واتّفقنا على هذه الخطّة، وأطلقنا عليها اسم “مشروع التّدحرج الخُلْط بُلْطْ الإسرائيلي/الفلسطيني”الذي لم تفطن له تحرّكات مندوب السيّد الأمريكي غير الخلاّقة في زيارته الأخيرة الى جبل “الملك داود” مع كلبه الشمّام للطّعام، ولا مانع لدينا أنْنتدحرج أزواجاً أزواجاً في فندق “الملك داود” في حينه، واحسبيها كما تشائين، مع قافية أو بلا قافية… “لَوَقْتْهَا بْيِفْرِجْهَا رَبِّكْ..”
****
هاجس مسرحيّ: راضي شحادة
هاجس كاريكاتيريّ: خليل أبو عرفة