تل المتسلِّم (تل مجدّو) – فوزي حنا

ورأيتُ ثلاثة أرواح خبيثة مثل الضّفادع خارجة من فم التّنّين ومن فم الوحش ومن فم النّبيّ الكذّاب، فهي أرواح شيطانيّة تأتي بالخوارق وتذهب إلى ملوك المعمور كلّه، تجمعهم للحرب في ذلك اليوم العظيم يوم الله القدير، هأنذا آتٍ كالسّارق، فطوبى للّذي يسهر ويحفظ ثيابه لئلّا يسير عريانًا فتُرى عورته، فجمعَتهم في المكان الذي يقال له بالعبريّة هارمجدون).هذا ما جاء في رؤيا يوحنّا عن معركة آخر الأيّام حيث تنتصر قوى الخير على قوى الشّرّ، ولهذا السّبب اختار البابا بولس السّادس أن يبدأ زيارته للأراضي المقدّسة في هذا المكان بالذّات في 4كانون الثاني 1964. ويربط اليهود المتديّنون هذه الرّؤيا مع المعركة التي دارت بين ملك يهودا الصّدّيق (يوشياهو) وبين فرعون مصر (نيخه) الذي كان في طريقه لمساعدة الأشوريّينضد البابليّين، وكانت النتيجة أن قُتِل يوشياهو، وبهذا تغلّبت (قوى الشّرّ) على (قوى الخير)، كان ذلك سنة 609 ق.م.  تأتي أهمّيّة مجدّو لوجودها في موقع استراتيجي بين ممالك عظيمة كانت تقوم حول نهر النيل من جهة وحول نهر الفرات ودجلة من جهة أخرى، والسيطرة على المواقع الايتراتيجية بينهما تعطي وزنًا عسكريًّا إضافيًّا. للتّعرّف على تاريخ هذا المكان من خلال التنقيبات الأثريّة، قامت بعثات ثلاث في الحفريات، كانت الأولى بعثة ألمانيّة بين العامين 1903 و 1905 بإشراف المهندس چوطليڤ شوماخر وتمويل القيصر ڤلهلم الثاني، والثّانية أمريكيّة بين العامين 1925 و 1939 بإشراف جامعة شيكاچو وتمويل جون روكفيلر، والثالثة إسرائيليّة من جامعة تل أڤيڤ بإشراف يسرائيل فنكلشتاين وداڤيد أوسيشكين، ابتداءً من 1996. عند وصولنا إلى مدخل التّل نجد مبنى حجريًّا هو اليوم مكان استقبال الزّوّار ومعرض، وهذا المبنى هو الطّابق الأرضي لبناء أقامته بعثة شيكاچو، كان يتألف من طابقين حوله مبانٍ أخرى أزيلت عند زيارة البابا الذي لأجل استقباله تم شق الطريق وتهيئة السّاحة، أمّا الطّابق الثاني فقد كان موجودًا وأزيل فيما بعد، ولا يوجد أي توثيق لسبب وكيفية إزالته.جابهت بعثة جامعة شيكاچو الأمريكية مشكلتان أساسيّتان الأولى البعوض بسبب قرب مسكنهم من العين الشرقية (عين القبّة) والثانية ملكية أهالي اللجّون وأم الفحم لحوالي 50 دونمًا من التّل، وقد تمّت مصادرتها، وكانت في المنطقة ملكيّة أخرى بمحاذاة التل  للسّيّدة الألمانيّة (روزمينت) أرملة لورنس أوليفنت الذي كان قد اشترى 1200 دونمًا  في الفترة العثمانية، وقد اشترتها البعثة منها.في الحرب العالمية الثانية استعملت القوات البريطانية المباني كمستشفى، وخلال ذلك اختفت محتويات مخازن البعثة، هذا وتعرّض المكان لحريق عن طريق الخطأ، وكان التعويض الذي دفعه الانتداب البريطاني للبعثة الأمريكيّة 10 آلاف جنيه استرليني.وبعد قيام دولة إسرائيل اشترت المباني بدولار أمريكي واحد.بعد صعودنا للتّل من الجهة الشمالية الشرقية تواجهنا بوّابة مصرية من أيام كبير الفاتحين المصريّين، تحتموس الثالث (1457 ق.م.)،  وهي ذات أربع غرف حراسة تؤدّي إلى ساحة وعلى يمينها (غربها) بقايا قصر كنعاني عظيم كان يتألّف من طابقين، وخلال التنقيبات تم إيجاد كنزين من الذهب والعاج، وتروي الحكاية أنه في القرن الثاني عشر قبل الميلاد تعرّضت المدينة لهجوم قبائل غريبة بعد ان عرفت المنطقة حركة هجرات واحتلالات نتيجة الجفاف الشديد، وحين أدرك الملك الكنعاني أن المدينة ستسقط، أمر بدفن الكنوز، وظلّت تحت المسطبة لحين استخراجها مؤخّرًا.في المرتبة الأعلى نستطيع التجوّل لرؤية القصور الثلاثة الشمالي والجنوبي والشرقي، وهذا الأخير المشرف على المرج، بنى العثمانيون مكانه ومن حجارته برجًا للحراسة، هدمته بعثة شيكاچو لكشف ما تحته.في وسط التّل نرى شقًّا كبيرًا ، واسعًا وعميقًا حفره شوماخر من أجل كشف الطبقات السفلى، حيث تظهر منطقة المعابد المتعاقبة لشعوب مختلفة، فصارت هذه المنطقة تعرف بمنطقة المعابد.نجد في المستوى الأعلى أيضًا اسطبلي خيل يتسعان لنحو 480 حصانًا، وهناك حفرة قرب الاسطبل الجنوبي عمقها 11 مترًا وقطرها 7 أمتار، كانت مخزنًا للتّبن الذي يكفي للخيل لمدّة نصف عام.لعلّ الموقع الأكثر إثارة هو نفق المياه في غرب التل حيث تم حفره للوصول إلى المياه الجوفية ، نستطيع عبوره والخروج من فتحة في أسفل التل من الغرب.تحتاج الأحداث التاريخية التي لها أثر في وعلى المكان لصفحات كثيرة، فعلى من يرغب مراجعة كتب التاريخ. مساحة التّلّ 60 دونمًا وارتفاعه عن المرج القريب 60 مترًا، وجدت فيه نحو 20 طبقة أثريّة ابتداءً من العصر الحجري المتأخّر قبل 7000 سنة.

Post Tags:

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*
*