دير بيت جمال وسمعان سروجي – فوزي حنا

بين إشارتي الكيلومتر 12 و 13 على شارع 38، إلى الجنوب قليلًا من (بيت شيمش) توجد إشارة تدلّنا على دير بيت جمال، الواقع شرقي الشارع على مرتفع يبلغ 370م عن سطح البحر، وسط منطقة غنيّة بالآثار التاريخيّة مثل مقام بولس ودير العصفور. أقيم هذا الدّير السالزياني سنة 1881 على أنقاض كنيسة بيزنطيّة من القرن الخامس للميلاد.تعايش الدّير مع القرى المحيطة، مثل دير ابّان وزكريّا وبيت نتيف وغيرها، وشملت خدماته كلّ فلسطين، إذ أقام مدرسة للأيتام قصدها الطّلّاب من كل المناطق، أما التعاون بينه وبين الجوار فقد شمل الخدمات التعليمية والصّحّيّة وفي طاحونته طحنوا قمحهم كما عصروا زيتونهم في معصرته، إضافة للفائدة الاقتصاديّة، فقد عملت عائلات كثيرة في أراضي الدّير ومساحتها نحو 4 آلاف دونم وأقاموا عليها مساكنهم.من ناحية الاسم، فيُعتقَد أنّه تحريف ل(چملئيل) رئيس السنهدرين في القرن الأوّل الذي توفّي ودُفن هنا، إلّا أن اليهود يؤمنون أنه مدفون في يبنى (يڤنيه) حيث الضريح الذي يسمّيه العرب، مقام أبو هريره.وچملئيل هذا هو معلّم القدّيس بولس (شاؤول)، إذ جاء في أعمال الرّسل 22(3) على لسان بولس: …. (تلقّيتُ عند قدمَ چملئيل تربيةً موافقة كل الموافقة لشريعة الآباء..). ومن هنا فليس غريبًا وجود عيون وواد ومقام قرب الدّير تحمل اسم بولس.أغلقت مدرسة الأيتام الدّاخليّة سنة 1977. يحوي  الدّير كنيسة مزدانة بإيقونات ملوّنة جميلة وورشة فخّار في الدّير المخصّص للرّاهبات، وآثار قديمة فيها لوحة فسيفساء من الكنيسة البيزنطيّة فيها ما ترجمَتُه (ستيفانوس الشّهيد قدّيس الله) وهذا إثبات للرواية بأن بولس الرّسول أمر بنقل جثمان استيفانوس من وادي قدرون إلى هنا، وقد طُمِس القبر حتى تم اكتشافه سنة 415 عند التحضير لبناء الكنيسة البيزنطية.في الدّير قبو فيه قبور قديمة وحديثة يعود أحدها لراهب نصراوي اسمه سمعان سروجي، ولأهمّيّة هذا الرّجل، واجب عاينا الإشارة لبعض المحطّات في حياته، وُلد في الناصرة سنة 1877 وتوفّي والداه  وهو صبيّ صغير، تبنّاه الأب أنطونيو بلّوني في ديره في بيت لحم، وحين بلغ السابعة عشرة انتقل إلى بيت جمال، ليخدم الدّير وبعد سنتين صار راهبًا، قام بأعمال عديدة في الدير بتفانٍ وإخلاص ومحبّة، فقد عمل طحّانًا وميكانيكيًّا ومعلّمًا للأولاد وطبيبًا قدّم خدماته المجّانيّة للمحتاجين من القرى المحيطة، وكان يحضّر الدّواء بنفسه من الزيت والنباتات والعسل، وتميّزت علاقاته مع الجوار بالتواضع والمحبّة.كان يوزّع حصّته من الحلوى والفاكهة على تلاميذه المحتاجين، وكثيرًا ما كان يُطعِم مرضاه حين يشعر أن مشكلتهم نابعة من قلّة الغذاء. ومن النّوادر التي تدلّ على إخلاصه ومحبّته أن أحد التلاميذ نام في القاعة أثناء الدّرس، وعند انتهاء الحصّة أمر المعلّم سمعان تلاميذه أن يخرجوا على رؤوس أصابعهم كي لا يزعجوا زميلهم، وعندما أفاق وجد معلّمه واقفًا بجانبه يحرسه. وحين توفّي في 1943 /26/11 أبّنه مختار دير أبّان ومختار بيت نتيف،  وقال أحد شيوخ المنطقة (لو لم يكن سمعان مسيحيًّا لأعلنّاه وليًّا).يعتاش الدّير على ما يبيعه من منتوجاته كالزّيت والعسل والنبيذ والأواني الفخّاريّة.وهناك زاوية كتب، يستطيع اقتناءها من يريد ويضع تبرّعًا في الصّندوق.المكان هادئ وجميل، أنصح بزيارته.

Post Tags:

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*
*