أسبوع من أدب بين القصة القصيرة الهادئة والشعر الثوري الغاضب زياد شليوط
- by منصة الراي
- October 15, 2021
- 0
- 589  Views
- 0 Shares
تلقيت في الأسبوع الفائت هديتين قيمتين سررت بهما جدا، الأولى كتاب مجموعة قصص قصيرة “غصن الفيجن”(1)، من الشاعر والكاتب الصديق حسين مهنا، والذي قرأت له مؤخرا دواوينه الأخيرة ورواية “دبيب نملة” والثانية ديوان شعر للشاعر الصديق عمر رزوق الشامي “عصر المؤامرات”(2)، وقد سعدت بهما وقضيت بصحبتهما أسبوعا ثريا.
“غصن الفيجن” للكاتب حسين مهنا قصص ظريفة الشكل عميقة المعنى
يقول د. شكري عراف في كتابه الموسوعي “مساهمة في دراسة نباتات البلاد” عن الفيجن وفوائده العديدة انه “نبات معمر دائم الخضرة ينمو بريا وتربويا في مناخ المتوسط إلى ارتفاع متر تقريبا. سيقانه مستديرة ذات فروع، قاسية الأجزاء السفلى وطرية العليا. أوراقه ريشية تشبه كف اليد، ذات لون أخضر غامق، تزهر من شباط حتى حزيران، وهي على شكل الخيمة صفراء اللون. ومع جفاف الساق تتفتح الأجراس وتتساقط الثمار”. (الحلقة الثانية – ص51)
ويقول كاتبنا حسين مهنا عن نبتة الفيجن في القصة التي تحمل اسم المجموعة: “كان البيت يعبق برائحة الفيجن المميزة.. وكان والده يعبّ الهواء ويقول: بيت الفلسطيني بلا الفيجن كخابية بلا زيت زيتون!”
قصص الكتاب خفيفة الظل من حيث الحجم والمضمون وأسلوب الكاتب الذي يخفف من وطأة عمقها الفكري، وما تحمله من مواضيع وتعالجه من قضايا تمس مجتمعنا وما تقدمه من رسائل انسانية، ينقلها لنا الكاتب بأسلوبه الشائق المميز والذي أسماه البعض “السهل الممتنع”، ومن مواضيع تلك القصص: صراع الأجيال، الصراع بين القديم والجديد، صراع الفتاة العربية لنيل مساواتها في مجتمع محافظ (هند، يوريكا).
ينتح الكاتب من حياته الشخصية وهذا يظهر في أكثر من قصة وأبرزها “ليلة باردة.. حارة”، يبدأها في الحديث عن عادته في الكتابة وينتقد بشكل مهذب عادات الأدباء ” لا يؤمن بما يؤمن به معظم الأدباء بأن هناك طقوسا تعودوها أثناء جلوسهم للكتاب”.
فيها يجري الكاتب حسابا عسيرا مع نفسه، ويلقي عدة أسئلة على نفسه بعد عمر السبعين، مستذكرا كتاب “سبعون” لميخائيل نعيمة ويقرع نفسه متسائلا: “وأنت! أنت! ماذا أعطيت؟” لكنه يصل في النهاية الى مصالحة مع نفسه حين يجد أن كأسه الذي شربه حلوا كان. وهذه مفاجأة يكثر منها الكاتب في خواتيم قصصه، حيث يظن القاريء أن النهاية ستكون على شكل فيكتشف أن الكاتب حولها إلى شكل آخر، بأسلوب فني رشيق، ونهايات قصصه عادة ما جاءت على هذا الشكل، ويكون قد أدخلك دون أن تشعر بأحداث القصة، لتكتشف في نهايتها أنها كانت حلما استيقظ منه بشكل أو بآخر، فتبتسم لهذه الخدعة اللذيذة (مثال على ذلك: القرار الصعب، كورونا).
حقيقة استمتعت بقراءة المجموعة القصصية “غصن الفيجن” للكاتب حسين مهنا، وأدعوه بأن لا يبخل علينا بقصص ممتعة أخرى، خاصة أنه توقف عن كتابة الشعر، ونرى بأن نثره لا يقل جمالا عن شعره.
“عصر المؤامرات” للشاعر عمر رزوق الشامي يعيدنا إلى شعر الغضب والخطابة
أهداني مؤخرا الشاعر عمر رزوق، ديوانه الجديد “عصر المؤامرات” ووضع له المقدمة الكاتب سعيد نفاع، الأمين العام لاتحاد الأدباء الفلسطينيين- الكرمل 48″، ويقع الديوان في 168 صفحة من القطع الوسط، وغلافه من تصميم الشاعر. بعد قراءتي للديوان وجدتني أوافق الأخ سعيد في معظم ملاحظاته، وسآتي على بعضها.
كنت قد تعرفت إلى الشاعر عمر رزوق قبل فترة وجيزة من خلال صداقتي مع الأديب محمد علي سعيد، والغريب أو المستهجن أني لم أكن قد سمعت باسمه من قبل – ربما سمعت ونسيت- مع أنه أصدر 16 ديوان شعر كما أعلمني الصديق المشترك أبو علي، وما خفف عني شعور التقصير أن غيري من الكتاب من الذين التقينا بهم في هذه الفترة عبروا عن نفس المشكلة، بل أن الكاتب محمد علي سعيد نفسه يذكر في تقديمه لديوان آخر للشاعر “دموع على الورق”، أنه لم يسبق أن سمع بالشاعر رزوق وهو المطلع على الأدب المحلي، وتعرف اليه بواسطة الأديب إبراهيم مالك، وهذا ما أشار اليه بشكل حاذق كاتبنا علي سعيد في تصديره للديوان الجديد على الغلاف الأخير: “ويبقى السؤال او التساؤل الاستدراكي حادا وحارا: ولكن اين حضوره في الساحة الأدبية؟ ويأتي الجواب الموضوعي معاتبا وساخرا: ليس كل مشهور مهما وليس كل مهم مشهورا”.
أول ما يلفت الانتباه وعندما تستلم الكتاب هو الغلاف الخارجي، ومن نظرة أولى تشعر أن لوحة الغلاف لا تناسب ديوان شعر، بقدر ما تناسب كتاب مقالات أو بحث سياسي، بل أن عنوان الديوان يوحي بذلك، حيث يثبت الشاعر المصمم، صورة عدد من الزعماء العرب والمسلمين وبينهم صورة الرئيس الأمريكي السابق ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نتنياهو وعلى رأس الصورة الشيخ القرضاوي، وأسفل صورة الزعماء خريطة الوطن العربي المقسم إلى دول “سايكس يكو” وأسفل الصورة لهيب النيران. وفي هذا إشارة واضحة الى ما يحمله الديوان من قصائد تتناول معظمها خيانة الحكام العرب وتخليهم علنا عن القضية الفلسطينية وانخراطهم في مسلك التطبيع، بالمقابل يهب الشاعر منافحا ومدافعا عن شعبه الفلسطيني في وجه المؤامرات التي يتعرض لها، كما يقف إلى جانب الدولة السورية في تصديها للمؤامرة الكونية عليها، حيث يشن هجوما على من يتجنى على الإسلام وهو يحمل اسمه زورا. ومن حيث الشكل فقد جاءت الغالبية العظمى لقصائد الديوان على نسقالشعر التقليدي العمودي، وفي هذا يظهر لنا عمر تمكنه من القافية والعروض كذلك يظهر في مفرداته مدى تمكنه من اللغة، ولا غرابة في ذلك والشاعر يستعد لاصدار كتاب مختصر لسان العرب وهو الذي يبحث في هذا المعجم ويدرسه منذ سنوات.
لا يوفر شاعرنا الغاضب الحكام العرب الساقطين في مستنقع الخيانة والتطبيع من شعره الناري، فيقول فيهم في قصيدته “بعير صهيون” (ص 30-32):
كم مرة دفنوا العروبة بالثرىوتبادلوا قدحا مع الخصماءِ
كم طعنة طعنوا فلسطينا لتنــعم بالعروش عصابة السفهاءِ
ولا يتورع عن التصعيد في الهجوم قائلا:
تلك المهالك والإمارة كلّهاوالملك والديباج تحت حذائي
إلا أن الشعر تغلب عليه النظرة السوداوية من حيث المستقبل العربي، فهو لا يرى بصيص أمل في الأجل القريب فينهي قصيدته قائلا:
لا فتح في الأجل القريب لأمةتستنسخُ العملاءَ من عملاءِ
وهناك عدة قصائد بهذه الروح منها: “حكامنا الأنذال” ص78، “سقوط الأمة” ص 90، “شك ويأس” ص 94، “بيع الضمير للصهاينة” ص 100 وفي هذه القصيدة يعود الشاعر الى تفاؤله بالبديل الذي سيضع حدا لحالة المهانة والذل، فيقول في نهاية القصيدة:
غدا يأتيك من حقّت مقاصدهمومن عزموا على التحرير واعتكفوا
وذي الأكفان خاطوها معطّرةًفان حلّت بهم آجالهم نسفوا
ومن القصائد التي يدين فيها التطبيع والمطبعين: “فحيح المطبعين” ص 53، “تطبيع وقلة حياء” ص 75.
وللشام كما ذكر سعيد نفاع في مقدمة الديوان، “عند الشامي حصة أسد”، فهو يعشق الشام وأهلها وأبطالها، ويرى فيها الملجأ الأخير للعرب والعروبة وعنوان الشهامة والكرامة والإباء، ومن عناوين القصائد يمكن ان نستجلي ذلك: “شام يا أمي الحنونة” ص 50، “أصيل الشام” ص 71، “رايات الشام” ص 84، “دموع الأقصى وأنين الشام” ص 86، “دموع أمي شوقا لدمشق” ص 120، “دمشق الكرامة والإباء” ص 134 وفي قصيدة “أحفاد الدّجال” ص 69 يؤكد تلك المعاني قائلا:
يا شآم عزتنا منجى عروبتناما هادنت غاصبا سرّا وقد علموا
ردّت لأمتنا ما بيع من شرففخر عتيد وعزّ كادَ ينعدمُ
أتمنى للصديق الشاعر عمر رزوق الشامي متابعة مشواره الأدبي، نحو انتاجات جديدة تغني مكتبتنا وحركتنا الأدبية.
إشارات:1) حسين مهنا – غصن الفيجن- قصص قصيرة، مكتبة كل شيء –حيفا، 20212) عمر رزوق الشامي – عصر المؤامرات – شعر، اصدار خاص – أبو سنان، 2021